
على الأرجح أنّ أحداً لم يتوقّع هذا السقوط الصادم للرئيس السوري بشار الأسد، ثم هروبه واختفاءه بعيداً عن كل ما حارب من أجله على مدى أكثر من عقد من الزمن، إلّا أن الدراما السورية استطاعت استشراف سقوط النظام، بل محاكاة خاتمته من جوانب عدّة. اشتهرت الدراما السورية عربياً بميزة الواقعية التي تجعلها أكثر قرباً من قلوب المشاهدين، وأكثر قدرةً على التعبير عن همومهم المختلفة، اليومية والمعيشية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى السياسية والأمنية. ولم تصل دراما بلاد الشام إلى هذه المرتبة والجرأة عبر طرق معبدة، بل لجأت كثيراً إلى سبل التورية والإسقاط والرمزية إلى جانب طرق أخرى، لتخطي الرقابة الشديدة التي كان خطها الأحمر الأول "المسّ بسيادة الرئيس".
وعلى الرغم من ذلك، كانت نهاية النظام ورئيسه حاضرة في خاتمة أكثر من مسلسل سوري وفق أكثر من تصور، يجمع ما بينها الكوميديا والبيئة الافتراضية، من جهة كوسيلة للاحتيال على الرقيب "المتسلط والغبي والجاهل" في آن، وكأداة خلاقة من متطلبات الفن غير المباشر بطبيعته من جهة أخرى. وذلك طبعاً بالنسبة إلى شركات إنتاج وكتاب ومخرجين وممثلين حرصوا على التعبير عن مكنونات حقيقية، في مواجهة مخاطر لم تكن عادية تحت حكم أمني بامتياز، استطاع بعض عناصره الوصول إلى وظيفة مدير إنتاج!
"الخربة": "حين لا تنفع الدبكة"
بُعيد اندلاع الأزمة في سوريا عام 2011، عُرض مسلسل "الخربة"، وهو من تأليف الدكتور ممدوح حمادة وإخراج الليث حجّو، وتناول في الظاهر قرية تضم عائلتين متناحرتين بشكل كوميدي، لكنها في العمق تحاكي واقع البلاد حينها بانقساماتها. في الحكاية، على رأس كل عائلة عجوز همه إيذاء الأسرة الأخرى ولو ضحّى بأقاربه، وبالزعامة مهما كانت صلات الدم التي يدوس عليها، كذلك بالكفاءات العلمية والفنية والعمالية والثقافية التي ترزح تحته. ويستمر سلوك "أبو نمر" و"أبو نايف" على هذا المنوال إلى أن يدفعا أفراد العائلتين إلى الاشتباك في ما بينهم، بالإضافة إلى مقاطعة الخارج عن أمريهما، إلى أن تهتز سلطتيهما، ويُدرك أهل القرية حقيقتيهما، فيتخلوا عنهما ليتحدوا بعيداً عن إرادتيهما، في حلقة أخيرة بعنوان "حين لا تنفع الدبكة". المواطنون يهللون فرحاً، و"الديكتاتور" معزولاً ووحيداً.
"حدود شقيقة": المختار الذي تحكم بالضيعة الجارة ورجالها
على الرغم من بداية كل حلقة من "حدود شقيقة" بعبارة تفيد بأن "هذه الأحداث لا تمت للواقع بصلة وأي تشابه أو تطابق بينها وبين الواقع هو من قبيل الصدفة الفنية"، فإنه عمل تفرّد بتناول الواقع السوري في الداخل، ربطاً بعلاقة النظام بجارته لبنان، حيث تواجد جيشه ما بين عامي 1976 و2005 في وصاية عامة على البلاد. وامتنع التلفزيون الرسمي في عام 2013 عن عرض العمل الكوميدي، بعد تلقّيه رسالةً أمنيةً تأمره بذلك. مرّة أخرى، عبر الكوميديا والفضاء الدرامي الافتراضي، دار السيناريو من تأليف حازم سليمان أمام عدسة المخرج أسامة الحمد، حول مختار ضيعة "أم النار" المتسلط على أهلها، وعلى القرية المجاورة من خلال التحكم بمختارها وزعاماتها عبر رجاله. بعد سلسلة من الأزمات التي يشعلها من أجل مدّ نفوذه وتحقيق مكاسب مادية، تصل النيران إلى "دار المخترة" فتبقيه وحيداً معزولاً مع صوره.
"ما اختلفنا": الرئيس الذي هزمه صنيعه
سار مسلسل "ما اختلفنا" بجزئه الأول وحيداً في الكوميديا خلال الموسم الرمضاني الماضي، عبر لوحات نقديّة ساخرة من صميم حياة الإنسان العربي وواقعها ومتغيراتها، فبرزت لوحة "نسخة طبق الأصل" من بطولة الممثل السوري باسم ياخور، حيث يلجأ رئيس إلى استنساخ شبيه من أجل الحصول على كلية، بعد تعذّر الحصول على واحدة مناسبة من "عامة الشعب" ومن المسؤولين "الذين يحملون الخيانة في دمائهم". ولكن المفاجأة الطبيعية تظهر حين تأتي النسخة بطبع مماثل للأصل، مما يدفعها إلى الانقلاب والسيطرة على الحكم! جدير بالذكر أن مجموعة من الممثلين السوريين خشيت المشاركة في العمل، بسبب عرضه على قناة "العربي" المحسوبة على "المعارضة".
"العربجي": ثائر قضى على الزعيم
على المدى الموسمين الماضيين، حقق مسلسل "العربجي" من تأليف عثمان جحي ومؤيد النابلسي، وإخراج سيف السبيعي نجاحاً جماهيرياً ونقدياً واسعاً، بحكاية ملحمية حول "نار من رحم الظلم"، تدور مع اعتمادها أيضاً على بيئة افتراضية وفانتازيا مشهدية، حول شخصية "عبدو" الذي انتقل من خدمة كبار الحارة إلى الثورة عليهم بسبب ما اقترفوه بحقه وحق عائلته، إلى أن يعود إليها فاتحاً بوجه زعيمها "أبو حمزة النشواتي" المستند إلى "الدعم الخارجي" من سلطة وقتلة مأجورين، بعد أن كان معلّقاً على حبل المشنقة قائلاً: "الظلم بشع… بيخلّي الناس تساوي كلّ شي بس مشان تعيش!".
ومن اللافت أن ثلاثة من هذه الأعمال الأربعة تشترك في النوع من ناحية الكوميديا التي شكلّت ملاذاً للتعبير عما يُحرم قوله، وأيضاً اشتراك بعضها في البيئة الافتراضية، ولكن العامل الوحيد المشترك بينها هو باسم ياخور.