من أفغانستان إلى تركيا وكامشاتكا... لماذا يهتزّ العالم بالزلازل في هذا الشهر؟

منذ مطلع آب/أغسطس الفائت، عاشت مناطق عدّة حول العالم سلسلة زلازل متلاحقة أعادت إلى الواجهة سؤالاً أساسياً: هل ما نشهده صدفة جيولوجية أم نمطاً متكرراً يستدعي القلق؟
زلازل متفرقة
في أفغانستان، ضرب زلزال قويّ في 31 آب/أغسطس مناطق جبلية في الشرق، مخلّفاً أكثر من 800 قتيل وآلاف الجرحى، إلى جانب دمار واسع في المنازل المبنية من الطين. المشهد كان كارثياً، إذ تكرّرت صور البحث بين الركام كما حصل في كوارث سابقة.
وفي تركيا، سجّلت منطقة بالكسير زلزالاً بقوة 6.1 درجات، في 10 آب/أغسطس، أوقع ضحية واحدة وأكثر من خمسين جريحاً، لكنه كشف من جديد عن هشاشة البنية التحتية أمام أيّ هزّة عنيفة.
عشرات المبانى اتدمرت في تركيا قبل كام دقيقه بعد ما ضربها زلزال قوته تجاوزت ٦ درجات .. اللهم سلم pic.twitter.com/60kIkMayOP
— شؤون تركية (@TurkeyAffairs) August 10, 2025
أمّا في أقصى الشرق الروسي، فقد اهتزّت شبه جزيرة كامشاتكا في نهاية تموز/يوليو بزلزال ضخم بلغت قوته 8.8 درجات، وهو من الأعنف في هذا العام، لكنّه لم يؤدِّ إلى خسائر بشرية كبيرة بفضل وقوعه في منطقة شبه خالية من السكّان.
"صدفة زمنية"
هذه الأحداث المتتالية أثارت اهتمام الرأي العام، خصوصاً أنّها بدت متقاربة زمنياً. لكن الخبير الجيولوجي طوني نمر أوضح في حديث لـ"النهار" أنّه "لا وجود لأيّ رابط جيولوجي بين الزلازل التي ضربت أفغانستان وتركيا وكامشاتكا"، مشيراً إلى أنّ الفوالق (التشققات الكبيرة في القشرة الأرضية حيث تتحرّك الصفائح التكتونية) في هذه المناطق بعيدة جداً وغير مترابطة. وبالتالي، فإنّ الضغوطات على أحدها لا تؤثّر مطلقاً على الأخرى، وما بدا كأنّه تتابع زلزالي عالمي ليس إلّا "صدفة زمنية".
البناء الهشّ... كارثة الزلزال
وعن الأسباب التي تجعل الكوارث أكثر حدّة في بلدان مثل أفغانستان، لفت نمر إلى أنّ "البناء غير المقاوم للزلازل يزيد بشكل كبير من حجم المأساة. فالأبنية القديمة والهشّة، خصوصاً تلك التي تُشيَّد من الطين أو من دون أعمدة أو أساسات متينة، تنهار بسرعة أمام أي هزّة أرضية، مما يضاعف أعداد الضحايا والمشرّدين".
1/2
— Tony S. Nemer, PhD (@tony_nemer) September 1, 2025
كيف لزلزال بقوة 6 درجات كالذي ضرب ليل أمس أفغانستان أن يؤدي الى هذا الكم من الضحايا والدمار؟
السبب الرئيس وراء هذه النتيجة هي طبيعة الطبقات الجيولوجية غير المتماسكة في منطقة الزلزال والتي تؤدي إلى تفاعل الموجات الزلزالية بشكل عنيف مع المنشآت، كما نوعية الأبنية الضعيفة بنيوياً
"لا موسمية" للنشاط الزلزالي
أما بالنسبة لما يُسمّى بـ"موسمية النشاط الزلزالي"، فشدّد نمر على أنّ "الزلازل لا تخضع لأي نمط موسمي، بل إنّ نشاطها عشوائي بالكامل على المستوى العالمي. صحيح أنّ زلزالاً قد يؤدي أحياناً إلى آخر قريب منه مكاناً وزماناً، كما حصل في تركيا عام 2023، حين تلا زلزالاً وقع فجراً آخر بعد تسع ساعات، لكن هذا الترابط لا ينطبق على مناطق متباعدة آلاف الكيلومترات. لذلك، فإنّ ما شهده العالم أخيراً لا يعدو كونه مصادفة في التوقيت، لا أكثر ولا أقل".
تُظهر الأحداث الزلزالية الأخيرة أنّ النشاط التكتوني (الحركة المستمرة للصفائح الأرضية في قشرة الأرض والتي تسبب الزلازل والبراكين وتشكّل الجبال) مستمرّ في مناطق متفرقة من العالم، من أفغانستان وتركيا وصولاً إلى كامشاتكا. وتؤكد هذه الوقائع أنّ حركة الصفائح الأرضية لا تعرف حدوداً زمنية أو جغرافية، بل تخضع لديناميات جيولوجية معقّدة تفرض نفسها في كل مرحلة. وبينما تختلف شدّة الزلازل وآثارها من مكان إلى آخر، يبقى العامل الثابت هو أنّ الأرض تواصل التعبير عن حركتها الداخلية عبر هذه الهزّات المتكرّرة.
يمكنك أيضاً قراءة: بعد مقتل وإصابة الآلاف... زلزال ثان بقوة 5.2 درجات يضرب شرق أفغانستان