صحة وعلوم 27-12-2024 | 07:42

26 ديسمبر 2004: التسونامي الكبير... يوم أخذ البحر معه كل شيء

بعد مرور 20 عاماً على واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخ البشرية، ما الذي تعلمناه لتفادي تكرار هذه المأساة مرّة أخرى؟
26 ديسمبر 2004: التسونامي الكبير... يوم أخذ البحر معه كل شيء
مشاهد من تسونامي المحيط الهندي (أ.ف.ب)
Smaller Bigger

لم يسلم القرن الحادي والعشرون من غضب الطبيعة الأم. سنوات عديدة طبعت كوارث طبيعية لم يكن من السهل نسيانها أو تخطّيه. دول بأكملها تعرّضت لزلازل. لكن ما شهده عام  2004 سيبقى أسوأ زلزال طبع بقساوته تاريخ البشرية بعدما أودى بحياة مئات الآلاف في غمضة عين. اليوم، وبعد مرور 20 عاماً على واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخ البشرية، ما الذي تعلمناه لتفادي تكرار هذه المأساة مرّة أخرى؟

 

26 كانون الأول/ ديسمبر 2004، طبعت هذه الأرقام قصة كارثة حقيقية بعد يوم واحد فقط من عيد الميلاد. كانت عقارب الساعة تشير إلى 7.59 صباحاً، عندما ضرب زلزال بقوة 9.1 درجات على مقياس ريختر- صدعاً تحت البحر في المحيط الهندي، ليكون واحداً من أقوى الكوارث الطبيعية في التاريخ.

 

قبالة جزيرة سومطرة الإندونيسية، شهد العالم شبح الموت بطريقة متخفية، هكذا من دون سابق إنذار، وقع زلزال تسبب بموجات مدّ بلغ ارتفاعها 30 متراً، والتي اجتاحت شواطئ إندونيسيا وسيريلانكا والهند وتايلاند و9 دول أخرى.

 

لم يكن آلاف من السياح الأوروبيين والأميركيين الذين توافدوا إلى شواطئ تايلاند وسيريلانكا وإندونيسيا هرباً من برد الشتاء، يعرفون أنهم سيكونون في مواجهة مع أعنف تسونامي، أودى بحياة 230 ألف شخص في غضون ساعات.

 

كانت مدينة باندا آتشيه، الواقعة في الطرف الشمالي من جزيرة سومطرة، الأقرب إلى مركز الزلزال القوي، حيث وصلت أولى الأمواج في غضون 20 دقيقة فقط.

 

عليك فقط أن تتخيّل أنك أمام جبل مائي ضخم يبلغ ارتفاعه 100 قدم يجتاح مدينة بأكملها. لحظات معدودة كانت كفيلة في أن تودي بحياة أكثر من 100 ألف شخص. المشهد مرعب، أنت أمام أسوأ كارثة طبيعية، انهارت المباني كأوراق اللعب وجرفت التيارات السوداء الأشجار والسيارات، والنجاة من هذا الطوفان كان شبه مستحيل.

البحر الذي كان بمثابة الحامي والمعيل بالنسبة إلى مجتمعات الصيد تحوّل بغضون ثوانِ إلى قوة تدميرية جرفت كل شيء.

المصدر: أ.ف.ب

 

كانت تايلاند المحطة التالية. مع أمواج تسونامي تسير بسرعة 500 ميل في الساعة عبر المحيط الهندي، وصلت الأمواج إلى المقاطعات الساحلية فانغ نغا وبوكيت بعد ساعة ونصف. ورغم الفارق الزمني، لم يكن السكان المحليون والسياح على دراية بالدمار الوشيك. بلغ عدد القتلى في تايلاند ما يقرب من 5400 شخص، بينهم 2000 سائح أجنبي.

 

بعد ساعة، ضربت الأمواج الساحل الجنوبي الشرقي للهند بالقرب من مدينة تشيناي، ودفعت المياه المختلطة بالحطام إلى الداخل على بعد كيلومترات وقتلت أكثر من 10 آلاف شخص، معظمهم من النساء والأطفال. ومع ذلك، كان لجزيرة سريلانكا النصيب الأكبر من الدمار، حيث جرفت الأمواج أكثر من 30000 شخص وشرّدت مئات الآلاف.

 

طاقة مكبوتة تعادل آلاف القنابل الذرية

 

تسبّب زلزال عام 2004 في تمزّق امتداد بطول 900 ميل على طول صفائح الهند وأوستراليا، على عمق 31 ميلاً تحت قاع المحيط. وبدلاً من أن يكون هزة واحدة عنيفة، استمر الزلزال لمدة 10 دقائق متواصلة، وأطلق طاقة مكبوتة تعادل عدة آلاف من القنابل الذرية.

إذ تشير التقديرات إلى أن زلزال سومطرة-أندامان، الذي تسبب في حدوث التسونامي، أطلق طاقة تعادل 23000 قنبلة ذرية من نوع هيروشيما.

 

كما تسبب زلزال إندونيسيا عام 2004 في حدوث تحول في كتلة الأرض، مما أدى إلى تغيير دوران الكوكب. قد يصعب عليك تخيل حقيقة هذه الكارثة وقساوتها، فقد وُصفت بالكارثة الطبيعية الأكثر فتكاً في القرن الـ21، وكدليل على قوة التسونامي التي حطّمت الأرقام القياسية، لقي آخر ضحايا الكارثة حتفه بعد حوالى 8 ساعات، عندما فاجأت الأمواج العاتية والبحار الهائجة السبّاحين في جنوب إفريقيا، على بعد 5000 ميل من مركز الزلزال.

 

وفي ظل غياب أي تحذير طبيعي أو تحذير رسمي، ومع عدم وجود تاريخ لتسونامي في بعض المناطق المتضررة، لم يكن هناك مهرب من مواجهة هذا الواقع المخيف من الوفيات والدمار الهائل.

 

أكثر من عشرة أضعاف

 

ما نعرفه هو أن زلزال سومطرة أندامان عام 2004 أودى بحياة أكثر من 227 ألف شخص، أي أكثر من عشرة أضعاف عدد الأرواح التي فُقدت في الزلازل التسعة الكبرى الأخرى مجتمعة (حيث بلغ إجمالي الوفيات في هذه الزلازل حوالى 21 ألف شخص). كما فَقَد أكثر من 1.5 مليون شخص منازلهم ومعظمهم فقدوا مصادر رزقهم.

 

لقد دمّر تسونامي المدن والقرى وسُبل العيش. تضرّر نصف مليون منزل أو دُمّرت بالكامل، كما تسممت الحقول والآبار بالمياه المالحة. لم يسلم لا البشر ولا الحجر من تداعيات هذه الكارثة الطبيعية التي تتطلبت سنوات لاستعادة الحياة فيها.

 

خسائر بمليارات الدولارات

شهد العالم بعد الكارثة استجابة إنسانية غير مسبوقة، حيث جمعت تبرعات تجاوزت 14 مليار دولار لدعم عمليات الإغاثة وإعادة الإعمار. في حين قُدِّر إجمالي الخسائر المادية المباشرة الناجمة عن تسونامي بحوالى 13 مليار دولار أميركي، ولكن كانت إندونيسيا البلد الأكثر تضرراً، حيث قُدرت الخسائر بنحو 6 مليارات دولار.

كانت الخسائر البيئية لكارثة تسونامي هائلة. في إندونيسيا، تضررت 90% من غابات المانغروف، مما أضعف الحماية الساحلية. كما اختنقت الشعاب المرجانية في إندونيسيا وتايلاند وسيريلانكا بالطمي والحطام. وتعرضت مصادر المياه العذبة للتلوث أيضاً، حيث أصبحت 62000 بئر في سيريلانكا غير صالحة للاستخدام بسبب تسرّب مياه البحر، وفقاً لدراسة أجراها "هاري سرينيفاس" في عام 2015 بعنوان "تسونامي المحيط الهندي وآثاره البيئية".

 

الدروس المستفادة

ولكن ما الذي تعلّمناه بعد 20 عاماً من أعنف كارثة طبيعية في التاريخ الحديث؟

 

تطوير أنظمة الإنذار المبكر: قبل عام 2004، كان نظام الإنذار المبكر بأمواج التسونامي (TEWS) موجوداً فقط في المحيط الهادئ. تعتمد هذه الأنظمة على تحديد الزلازل التي تزيد شدّتها عادةً عن 7 إلى 8 درجات والتي قد تؤدي إلى حدوث تسونامي خطير.

مع حدوث تسونامي المحيط الهندي، فَقَد حوالى 80 ألف شخص حياتهم على سواحل الهند وسيريلانكا وتايلاند. وكان من الممكن إنقاذهم لو كان هناك نظام إنذار مبكر عملي، حيث استغرقت الأمواج ساعتين للوصول إلى هذه المناطق.

 

كان غياب أنظمة الإنذار المبكر أحد أسباب ارتفاع عدد الضحايا في كارثة 2004، هذه الكارثة دفعت بالعديد من الدول إلى تطوير أنظمة إنذار فعّالة تُنبّه السكان فور وقوع الزلازل أو غيرها من العوامل المؤدية لتسونامي. ومنذ تلك الكارثة، تمّ إنشاء أنظمة إنذار في المحيط الهندي، مزودة بأجهزة رصد وتحذير تُرسل إشعارات فورية إلى المجتمعات الساحلية، مما يُمكّن السكان من الإخلاء إلى مناطق آمنة.

 


المصدر: رويتزر

 

أول اتفاق عالمي للحدّ من الكوارث: بعد ثلاثة أسابيع على كارثة التسونامي، اجتمع المجتمع الدولي في كوبي، هيوغو في اليابان. واعتمدت الحكومات إطار عمل هيوغو لمدة 10 سنوات ( 2005-2015) ، وهو أول اتفاق عالمي شامل بشأن الحدّ من مخاطر الكوارث.

 

تحسين البنية التحتية: أدّى تسونامي 2004 إلى دفع الحكومات إلى تعزيز البنية التحتية الساحلية، لتكون أكثر مقاومة للكوارث الطبيعية. يشمل ذلك بناء ممرات إخلاء، ملاجئ مرتفعة، وتطبيق معايير بناء صارمة للمباني في المناطق الساحلية.

في السنوات التي تلت كارثة الـ"تسونامي"، استثمرت البلدان المعرّضة للخطر في الدفاعات الهندسية "الصلبة"، بما في ذلك الجدران البحرية وحواجز الأمواج البحرية وسدود الفيضانات. ورغم أن هذه الهياكل توفر قدراً من الحماية، فإن فعاليتها تبقى محدودة.

 

زيادة الوعي العام: قبل عام 2004، كان سكان المناطق الساحلية في المحيط الهندي يفتقرون إلى الوعي بالإشارات التحذيرية لتسونامي، مثل انحسار مياه البحر بشكل مفاجئ. اليوم، تشمل البرامج التعليمية العالمية توعية المجتمعات الساحلية بالإجراءات الواجب اتخاذها عند ظهور علامات محتملة لتسونامي.

بعد 20 عاماً على هذه الكارثة الطبيعية الأكثر فتكاً، هل نكون على موعد مع كارثة مشابهة في المستقبل، وهل نتعلم من الدروس السابقة لتفادي المأساة مرّة جديدة؟

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/15/2025 8:43:00 PM
 خلف الحبتور: في موقف يعكس غطرسة لا حدود لها، يخرج رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ليأمر سكان غزة بإخلاء مدينتهم، وكأنها ملك له يوزع أهلها كما يشاء
المشرق-العربي 9/12/2025 12:25:00 PM
إقفال منتجع "إكس بيتش" في منطقة وادي قنديل في محافظة اللاذقية.
شمال إفريقيا 9/15/2025 11:56:00 AM
محاكمة سيدة متهمة بقتل زوجها وأطفاله الستة في قرية دلجا التابعة لمركز ديرمواس بمحافظة المنيا
لبنان 9/14/2025 2:53:00 PM
 تغيير مسار طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط المتجهة من بيروت إلى مطار هيثرو في لندن بسبب عارض صحي أصاب أحد الأطفال