"بيتا"... الجيل الأوّل الذي لا يعرف الملل؟
مع اقترابنا من منتصف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، يظهر جيل جديد على الأفق الاجتماعي والرقمي، يُعرف باسم جيل بيتا. هؤلاء الأطفال، المولودون بين 2025 و2039، سيكبرون في عالم تتاح فيه المعرفة والترفيه والتواصل بشكل فوري ودائم، حيث تصبح كل لحظة فرصة للتعلم أو الاستكشاف أو التجربة. ما يميز هذا الجيل ليس فقط تفاعله الطبيعي مع التكنولوجيا، بل أيضاً استعداده الدائم للانبهار والاكتشاف؛ عالمه الرقمي لا يعرف الملل، والخوارزميات سترافقه منذ المهد، لتوفّر له تجارب جديدة باستمرار.
جيل بيتا قد يصبح الجيل الأول الذي لا يعرف الملل أبداً، حيث تتحول كل دقيقة من حياته إلى لحظة محتملة للإبداع، لكل تجربة مغزى، ولكل اكتشاف أثر. إنه الجيل الذي سيعيش في عالم لا يهدأ أبداً، عالم يدمج الواقع بالرقمي، والتعلم باللعب، والتكنولوجيا بالخيال، ليشكل بذلك رؤية جديدة تماماً للطفولة والشباب والمستهلك العصري.

تعريف الجيل بيتا وأهميته
رغم أن مصطلح الجيل بيتا لا يزال ناشئاً في النقاشات الثقافية، فإن المستقبليين وباحثي الأجيال يستخدمونه بالفعل لوصف الأطفال المولودين بين 2025 و2039. ولا يشير الاسم إلى مرور الوقت فقط، بل يرمز إلى التحولات التكنولوجية والاجتماعية والبيئية التي ستحدد نشأتهم. وفقاً الباحث الأسترالي في علم الأجيال مارك ماكريندل، يشمل الجيل بيتا أبناء الجيل المياليني المتأخر وكامل جيل زد، حاملاً انعكاس التحولات في تكوين الأسر وسط الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الحالية. ومن المتوقع أن يصل عدد أفراده إلى نحو 2.1 مليار، مع سمة مميزة تتمثل في التعددية الثقافية، إذ سينشؤون في عالم متعدد الثقافات ولن يعرفوا عالماً بأغلبية عرقية محددة.
جغرافياً، يمثل الجيل بيتا تحوّلاً في الديموغرافيا العالمية، إذ من المتوقع انخفاض المكوّن الآسيوي إلى نحو 46٪ وزيادة سكان أفريقيا جنوب الصحراء ليشكلوا ثلث المواليد، فيما ستستضيف أميركا الشمالية وأوروبا نحو 8٪ فقط، ما يطرح تحديات جديدة تتعلق بالفجوة الاقتصادية، بحسب موقع "World Economic Forum".

جيل بيتا وعالم الموضة
في عالم الموضة، من المعروف أن أفضل مستهلك هو دائماً المستهلك المقبل. ولهذا السبب بدأت العلامات التجارية وأفضل العقول في الصناعة، إلى جانب المنتدى الاقتصادي العالمي، بالتفكير في المستهلكين الذين لم يولدوا بعد، أي الجيل بيتا. ويعد الاهتمام بهذا الجيل استجابة عملية للدروس المستفادة من الأجيال السابقة، حيث اكتشفت العلامات التجارية أنه يمكن الوصول إلى المستهلكين الصغار جداً عبر منصات رقمية مثل "Roblox" و"Fortnite" و"TikTok"، التي نجحت في جذب الأطفال قبل سن المراهقة إلى متاجر "Sephora" والمتاجر الأوروبية الجديدة.
وبحسب تقرير "BoF"، من المتوقع أن ينفق جيل بيتا بحلول عام 2035 نحو 113 مليار دولار على الإلكترونيات الاستهلاكية، وهو رقم يزيد بمقدار 2.4 مرة عن المتوقع لجيل إكس خلال السنوات العشر المقبلة. ويشير هذا إلى مستقبل يتسم بما يمكن تسميته "خزائن التكنولوجيا"، مع خزانة ملابس متكاملة بالتقنية وملابس ذكية مزودة بأجهزة استشعار. ومع ذلك، علينا الانتظار قليلاً، إذ سيظل جيل إكس يحتفظ بسيطرة مؤقتة على الإنفاق حتى عام 2033 على الأقل.
وبالنسبة إلى صناعة الموضة، فإن الرسالة واضحة وهي المزج الانفجاري بين التكامل مع الذكاء الاصطناعي، والالتزام الأخلاقي تجاه البيئة، والمرونة في الهوية، يمتلك القدرة على إعادة تعريف طرق تصميم الملابس واستهلاكها وتسويقها.

عالم مُشكل بالذكاء الاصطناعي منذ الولادة
سيكون الجيل بيتا أول جيل ينشأ جنباً إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي كجزء طبيعي من حياتهم اليومية. من المتوقع أن تصبح أدوات التعلم المدعومة بالذكاء الاصطناعي معيارية في المدارس، بينما ستستخدم المنازل الذكية التكنولوجيا التنبؤية لكل شيء، من مراقبة الصحة إلى الترفيه المخصص. وستتطور المساعدات الرقمية لتصبح رفقاء تفاعليين كاملين، ولن يعرف الجيل بيتا عالماً بدون التكنولوجيا كما كانت عليه الأجيال السابقة.
الهيكل الأسري وأساليب التربية
آباء جيل بيتا، الذين ينتمون غالباً إلى جيل الألفية وجيل زد، يتبنون أساليب تربية جديدة تعطي الأولوية للصحة النفسية، والقبول بالتنوّع العصبي، مع التركيز على الإبداع والمرونة والقدرة على الصمود العاطفي. وستصبح التربية الرقمية وحدود الشاشات وسلامة الإنترنت محاور مركزية للنقاشات الأسرية مع أطفال هذا الجيل.
لماذا يُعد عام 2026 مهماً
يُعد عام 2026 بداية مقبولة على نطاق واسع للجيل بيتا لأنه يتبع انتهاء الجيل ألفا، ومن المتوقع أن تتسارع التحولات التكنولوجية الكبرى عالمياً حول هذا الوقت، كما تتحول دورات الهوية الثقافية طبيعياً كل 13-15 عاماً. وتالياً، يمثل 2026 نقطة تحول حقيقية وليست مجرد سنة أخرى.
ستؤثر عدة عوامل على حياة جيل بيتا، بما في ذلك البلدان التي يولدون فيها ويعيشون فيها، ومعدلات الولادة والشيخوخة، وارتفاع مستويات الدخل، والانتشار الواسع للتقنيات الرقمية. وسيحدد كل ذلك أسلوب تنقلهم، وعادات إنفاقهم، ودورهم في الاقتصاد العالمي. وفي هذا السياق، يمكن اعتبار جيل بيتا جيلاً انتقالياً أو "جسراً"، وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي، أي مجموعة ستضطر لإدارة إرث جيل الألفية وجيل زد، وكذلك التدفقات الديموغرافية الجديدة المتأثرة بمعدلات الولادة غير المتوازنة والظروف المناخية.
ويرى كثيرون أن هذا الجيل سيكون أكثر تشدداً في تبنّي الاستدامة مقارنة بالأجيال السابقة. فكبروا على كوكب محتدم وسريع التحضر، ما سيدفعهم إلى جعل الممارسات الدائرية والتجديدية فلسفة حياة حقيقية.
نبض