من لوح "سينيت" إلى الشّطرنج... ألعاب الفراعنة تعود إلى الحياة في المتحف المصري الكبير
مع افتتاح المتحف المصري الكبير، لا تقتصر دهشة الزوار على عظمة التماثيل أو رهبة المومياوات، بل تمتد إلى زاوية غير مألوفة من الحضارة الفرعونية، تكشف عن عالم الألعاب القديمة التي شكّلت جزءاً من حياة المصريين القدماء.
فبين أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، تعرض مجموعة فريدة من الألعاب التي تعكس ذكاء المصري القديم وروحه المبدعة، وتبرهن أن الترفيه لم يكن بعيداً من تفاصيل حياته اليومية، بل كان مساحة للتفكير والإبداع والمرح.
من توت عنخ آمون إلى حاضرنا، تُظهر هذه الألعاب تشابهاً مدهشاً مع الألعاب الحديثة، في الشكل والفكرة والهدف، وكأنها جسر ممتد عبر الزمن يربط الماضي بالحاضر في لحظة دهشة واحدة.
لعبة "سينيت": مرور الملوك عبر الزمن
تتقدّم هذه المجموعة لعبة "سينيت" التي تعني بالهيروغليفية "المرور"، وقد عُثر على أجمل نماذجها في مقبرة الملك توت عنخ آمون.
كانت اللعبة واسعة الانتشار بين الطبقات كافة حتى لُقبت بـ"لعبة الملوك"، وتتألف من لوحة تضم ثلاثين مربعاً موزعة في ثلاثة صفوف متساوية.
لكن القواعد الدقيقة للعبة لا تزال لغزاً حتى اليوم، ما يضفي عليها سحراً غامضاً يعيدنا إلى دهاء المصريين القدماء وولعهم بالتحدي والرمز.
رقصة الأقزام: حركة الحياة في العاج
أما لعبة "رقصة الأقزام" التي اكتُشفت في مقبرة الطفلة حابي، فتقدّم مشهداً فريداً لثلاثة أقزام منحوتين من العاج، مرتبطين بخيوط دقيقة تجعلهم يتحركون وكأنهم يرقصون فعلاً.
إنها نسخة بدائية من العرائس المتحركة، تبرز الحس الفني والمرح الذي ميز المجتمع المصري القديم حتى في ألعاب الأطفال.

الطائر المجنّح: براعة التصميم وسحر الخشب
ومن بين القطع الأكثر لفتاً للنظر، طائر خشبي مجنّح تتحرك أجنحته بخيوط رفيعة، في مشهد يختصر جمال الحرفة ودقة التصميم.
هذه اللعبة لا تحكي عن التسلية فقط، بل عن رغبة المصريين في تحفيز الخيال وتنمية المهارات الحركية، وهي الفكرة التي يواصلها اليوم متحف الطفل التابع للمتحف المصري الكبير.

لعبة تشبه الشطرنج: استراتيجية الملوك
تُعرض أيضاً لعبة عاجية تتألف من عشرة دبابيس صغيرة، نصفها على شكل كلاب والنصف الآخر على هيئة ابن آوى، في تنافس يدور حول هدف محدد باستخدام حجر النرد.
تشبه هذه اللعبة إلى حد كبير الشطرنج الحديث، وتكشف عن وعي مبكر بفنون الاستراتيجية والتخطيط في الفكر المصري القديم.
الثعبان: متاهة الحركة والهندسة
وتختتم المجموعة بلعبة "الثعبان"، وهي لوحة دائرية حلزونية الشكل، تُستخدم فيها كرات صغيرة تُرمى نحو منتصفها لتسقط في ثقب دقيق.
تجسّد هذه اللعبة براعة المصريين في الهندسة والحركة الدقيقة، وتكشف عن روح الابتكار التي رافقتهم في أدق تفاصيل حياتهم.
إبداع يتجاوز المعابد
تُعدّ هذه الألعاب الخمس من أبرز ما يجذب الزوار اليوم، إذ تفتح نافذة على حياة المصريين اليومية بعيداً من المعابد والطقوس، لتروي جانباً إنسانياً ومرحاً من حضارتهم العريقة.
فالحضارة الفرعونية لم تُبدع في العمارة والدين وحدهما، بل امتد إبداعها إلى اللعب والفن والتعليم المبكر، لتؤكد أن المصري القديم عرف منذ آلاف السنين أن اللعب أيضاً شكل من أشكال المعرفة.
نبض