كارلا بروني وساركوزي... "الحبّ هو الجواب" (صور وفيديو)

في صباحٍ بارد من تشرين الأوّل/أكتوبر، خطا نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي الأسبق، آخر خطواته في الحرية قبل أن تعبر قدماه بوابة سجن "لا سانتيه" في باريس.
قبيل الساعة التاسعة والربع، خرج من منزله في منطقة "فيلا مونمورنسي" محاطاً بحراسة مشددة، وبجواره المرأة التي لم تفارقه منذ سبعة عشر عاماً: كارلا بروني.
كانت تمسك بيده. لحظة واحدة فقط سبقت صعوده إلى السيارة، طبع خلالها قبلة أخيرة على شفتيها، في مشهد حمل من الرمزية ما يتجاوز السياسة إلى جوهر الإنسانية: نهاية حقبة وبداية اختبار جديد، لا للرئيس الأسبق فحسب، بل للحب نفسه.
وقبل دخوله السجن، كتب ساركوزي رسالة وداع قال فيها: "في اللحظة التي أستعدّ فيها لعبور أسوار سجن 'لا سانتيه'، تتّجه أفكاري إلى الفرنسيات والفرنسيين جميعاً... إنّ من يسجن هذا الصباح ليس رئيساً سابقاً للجمهورية، بل بريء".
رسالة تختصر مسيرة رجلٍ لا يزال يرى في نفسه ضحية "فضيحة قضائية" عمرها أكثر من عقد، لكنه لا يطلب شفقة ولا امتيازات، كما كتب، لأن "زوجتي وأولادي إلى جانبي، وأصدقائي كثر لا يحصون".
كانت تلك الجملة تحديداً كفيلة بإعادة الضوء إلى العلاقة التي لا تزال تشغل الفرنسيين والعالم منذ ولادتها عام 2007: علاقة ساركوزي بعارضة الأزياء والمغنية الإيطالية الأصل، كارلا بروني.
ولدت كارلا بروني في تورينو بإيطاليا وانتقلت إلى باريس في سنّ مبكرة، حيث بدأت مسيرتها كعارضة أزياء في التسعينيات. بفضل ملامحها المميزة وأناقتها اللافتة وطولها، سرعان ما لفتت الأنظار وأصبحت واحدة من أبرز الوجوه في عالم الموضة العالمية.
عملت بروني مع أشهر المصورين مثل باتريك ديمارشيلييه وستيفن مايزيل، وظهرت على أغلفة مجلات عالمية مرموقة مثل "Vogue" و"Vanity Fair". كما تعاونت مع أبرز الماركات العالمية، من "شانيل" (Chanel) إلى "دولتشي آند غابانا" (Dolce & Gabbana)، وشاركت في عروض كبرى على منصات باريس وميلانو، بل وصلت إلى منصة "فيكتوريا سيكريت" (Victoria’s Secret) العام الماضي، مؤكدة قدرتها على الجمع بين الجمال الكلاسيكي والموضة العصرية.
لاحقاً، وسّعت بروني أفقها إلى الغناء، وأصدرت ألبومات حققت نجاحاً واسعاً، أبرزها "Quelqu’un m’a dit وNo Promises"، لتنتقل من مجرد عارضة أزياء إلى شخصية فنية متعددة المواهب تجمع بين الجمال والفن والطموح، وأصبحت رمزاً للأناقة والثقافة المعاصرة، حتى قبل أن تصبح السيدة الأولى لفرنسا.
بدأت قصة حبها وساركوزي في أمسية عشاء بباريس جمعت بين الرئيس المنفصل حديثاً والفنانة التي اشتهرت بقولها يوماً إن "الزواج والملكية مفهومان مملّان". إلا أن اللعبة تغيّرت تلك الليلة حين اقترح مضيفهما لعبة "أربع دقائق لإغواء الآخر". أربع دقائق فقط كانت كافية لتبدأ قصة استثنائية.
تبادلا النظرات، فالكلمات، فالأغاني. وقد كشفت بروني لاحقاً أنها كتبت له أبياتاً على ورقة خلال السهرة، وأنه احتفظ بها حتى اليوم.
وبعد ثلاثة أشهر فقط، في شباط/فبراير 2008، كانا يتبادلان العهود داخل قصر الإليزيه، في زفاف بدا آنذاك وكأنه مشهد من فيلم رومانسي أكثر منه حدثاً سياسياً.
ومع مرور السنوات، أثبتت بروني أن حضورها في حياة ساركوزي يتجاوز دور "السيدة الأولى".
في يوم صدور الحكم عليه بالسجن، كانت إلى جانبه في المحكمة. وعندما أعلنت القاضية قرارها، قامت بروني، بدافع الغضب والوفاء، بانتزاع غطاء ميكروفون موقع "ميديابارت" ورميه أرضاً، في مشهد غريزي يختصر تمرّدها على الإعلام الذي تعتبره شريكاً في "إذلال" زوجها.
Carla Bruni retire la bonnette du micro de Mediapart avant de la jeter au sol à l’issue de la prise de parole de Nicolas Sarkozy, condamné à 5 ans de prison avec mandat de dépôt à effet différé. pic.twitter.com/xiv3XXMSTT
— CLPRESS / Agence de presse (@CLPRESSFR) September 25, 2025
بعد ساعات، نشرت على "إنستغرام" صورة لهما وهما يمسكان أيدي بعضهما البعض مرفقة بعبارة: "الحب هو الجواب"، وكأنها تقول إن العدالة الأرضية قد تخطئ، لكن العدل العاطفي لا يُخطئ أبداً.
ربما ما يجمع بين بروني وساركوزي أكثر مما يفرّق. فكلاهما عرف مبكراً معنى الفقد والخذلان.
بروني اكتشفت في الثامنة والعشرين من عمرها أن والدها البيولوجي لم يكن الرجل الذي ربّاها، وأنها ثمرة علاقة عاطفية سرية دامت ست سنوات.
أما ساركوزي، فحمل جرح الطفولة منذ انفصال والديه عندما كان في الرابعة من عمره، وشهد صراعاً طبقياً وهو ابن المهاجر المجري الذي لم يحمل الجنسية الفرنسية إلا بعد عقود.
وتشير الكاتبة والصحافية بسمة لاهوري، مؤلفة كتاب "Carla et les ambitieux"، إلى أن هذا التشابه في الجذور جعل الثنائي "يشبهان بعضهما بعضاً كمرآتين متقابلتين"، يجمعهما الطموح ذاته والرغبة في السيطرة على مصيرهما مهما كانت العواصف.
اليوم، ينام ساركوزي وحيداً في زنزانة منفصلة في "لا سانتيه"، مزوّدة بسرير صغير، هاتف أرضي، وتلفاز مدفوع الأجر، فيما تبقى كارلا خارج الأسوار تنتظره، تحمل أغنياتها كرسائل حنين.
وفي مقطع مصوّر سرّبته وسائل الإعلام، همست له بعد صدور الحكم: "هل أغنّي لك يا حبيبي؟" ليجيبها بابتسامة: "بكلّ سرور". ثم عزفت له على الغيتار أغنية "Let it be"؟
هي قصة امرأة وقفت ضد العاصفة، واحتفظت بابتسامتها برغم كلّ ما كُتب عنها، لتثبت أن العلاقات الحقيقية لا تُقاس بالظروف بل بالثبات. ففي كلّ مرة يظن فيها الفرنسيون أن هذه القصة انتهت، تكتب كارلا بروني فصلاً جديداً فيها عنوانه ببساطة: "الحب... هو الجواب".