في لقاء جديد من "بودكاست مع نايلة" مع نايلة تويني، يكشف رفعت طربيه، وهو أحد أبرز الفنانين المسرحيين اللبنانيين وأكثرهم حضوراً، عن مسيرةٍ حافلة تشبه فصول مسرحية طويلة كتبها بشغف وجرأة وصدق. من جرد تنورين إلى خشبات المسرح في بيروت وباريس، يشكّل طربيه أحد أبرز الوجوه التي كرّست حياتها لفنّ المسرح في لبنان، بتواضعٍ يوازي موهبته الواسعة. رغم أنه يعتبر نفسه "نرجسياً على المسرح"، إلا أنه في الحياة اليومية شخص بسيط، صادق، ويميل إلى الاعتراف بضعفه قبل قوّته.

يعرّف طربيه نفسه ببساطة: "أنا رفعت طربيه من جرد تنورين، من عائلة كبيرة جداً، 13 أخاً و4 أخوات". عاش طفولة صاخبة في بيت يضجّ بالحياة والانضباط، قبل أن ينتقل إلى بيروت مع عائلته بعد وفاة والده، وهو لا يزال في السادسة من عمره. هناك، عاش شقاوة المراهقة: طُرد من ثلاث مدارس في سنة واحدة، قبل أن يجد ضالته في المسرح، ويكتشف شغفه الحقيقي مع منير أبو دبس، بمساعدة الشاعر والكاتب جورج شحادة.

يروي طربيه بداية رحلته بمرحٍ لافت، كأنه يصف مشهداً تمثيلياً: يوم طرق باب معهد منير أبو دبس، دخل عالماً غريباً عليه، غارقاً في السواد والرهبة. ارتبك، "بلع ريقه" كما قال ضاحكاً، ثم فرّ هارباً قبل أن يعود في اليوم التالي بعزيمة جديدة. منذ ذلك اليوم، تغيّرت حياته. فقد وجد في المسرح مساحة حقيقية لاكتشاف الذات، ووسيلة "للرجوع إلى الطفولة الأولى"، كما كان يقول أبو دبس.

تأثر طربيه لاحقاً بريمون جبارة وجلال الخوري، لكنه يرى في ريمون جبارة "رجل المسرح الحقيقي"، لأنه جمع بين التمثيل والإخراج والكتابة بعبقرية نادرة. كما يستعيد بفخر ذكريات الصحافة الثقافية في "النهار"، التي يعتبرها شريكاً في نهضة المسرح اللبناني من خلال دعمها للنقّاد والكتّاب والممثلين في حقبة ذهبية من تاريخ لبنان.

ورغم مرور أكثر من خمسين عاماً على بدايته، لا يزال طربيه يعتبر نفسه في طور التعلّم. يقول لنايلة: "بعد 53 سنة مسرح، اكتشفت أنني بعد ما بعرف شي". هذه الجملة تختصر فلسفته في الفن والحياة، فهو يرى أن التمثيل لا يُختصر في الأداء بل في الصدق: "التمثيل هو الحقيقة، والحياة التي نعيشها هي التمثيل". ويضيف أن المسرح أكثر من رسالة، هو علم مكتمل "يجعلنا متصالحين مع أنفسنا وحقيقيين".

المسرحي رفعت طربيه في “النهار“.

من بين أعماله الأثيرة، يحتلّ "هاملت" مكانة خاصة في قلبه. بدأ مسيرته به عام 1973 مع منير أبو دبس، وها هو يعود إليه اليوم، في السابعة والسبعين من عمره، مؤدّياً الشخصية من منظور جديد: "هاملت اليوم أكثر عقلانية ونضجاً. أراه من زاوية مختلفة تماماً". والمفارقة أنه قدّم الدور مراتٍ لا تُحصى، لكنه يؤكد: "ولا مرة قلت النص مثل المرة السابقة".

رفعت طربيه لا يخشى النقد، لكنه لا يعمل مع من يشكّ بقدراتهم. يثق بوزير الثقافة غسان سلامة وبالحكومة الجديدة، لكنه يفضّل الابتعاد عن الجدل. يصف نفسه بأنه "مزاجي، بيعصب بسرعة وبرضى بسرعة"، ويقول إنه نرجسي فقط على المسرح، لا في الحياة. يعتبر أن أي إنسان قادر أن يكون ممثلاً "إذا قرّر أن يكون"، شرط أن يمتلك التقنية والانضباط.

ورغم إصابته بالسرطان، يتحدث عن المرض بروحٍ ساخرة وإيمانٍ بالحياة: "أنا مش مصاب بالسرطان، السرطان هو المصاب بي". تمسّكه بالحياة سببه عائلته – زوجته ندى وبناته – اللواتي يمنحنه دافعاً للاستمرار.

وعندما سألته نايلة عن التكنولوجيا، جزم طربيه بأنه لا يحبها، ويضحك قائلاً إن "الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يكتب نصاً، لكنه لا يستطيع أن يقف على المسرح مكاني". فالمسرح بالنسبة له هو الإنسان، نبضٌ حيّ لا يُستنسخ.

في ختام المقابلة، يترك رفعت طربيه أثراً عميقاً، تماماً كما يفعل على المسرح. خلف المزاح والقصص، يختبئ فنانٌ عاش المسرح كحقيقة مطلقة، وواجه الحياة بعينين تريان الجمال حتى في المأساة. يقول بابتسامة هادئة: "قهوَتي مُرّة، بس الحياة حلوة... وأنا متمسّك بها".