يوتيوب
انستغرام
نبض
ثريدز
فنجان وقصة... كيف خاض الطبيب كريم عبد الجواد مغامرته في عالم القهوة؟
شارك على
مسنجر
واتساب
بريد إلكتروني
الطباعة
شارك على
في اليوم العالمي للقهوة، لا نتحدّث عن مشروب عادي، بل عن حكاية يحملها كل فنجان قادر على أن يجمع بين النكهة والذاكرة والمشاعر.
فلكلٍّ منّا قصتُه مع القهوة... ومع كل فنجانٍ تُروى حكاية، حتّى أولئك الذين لا يشربونها لا يسعهم إلّا أن يصغوا إلى حكاياتها. فهي رفيقة الجلسات والذكريات، وغالباً ما تكون ذريعة للقاء الأحبّة. وكم من مرّة اجتمعنا بأشخاص "على شرف فنجان قهوة"!
غير أنّ هناك من غاص أعمق في هذا العالم، مثل الطبيب المتخصص بالصحة العامة كريم عبد الجواد، الذي اكتشف أنّ القهوة ليست مجرّد مشروب، بل تجربة تتجاوز حدود الطعم والرائحة.
بدأت علاقته بالقهوة منذ الصغر، فكان يهوى القهوة سريعة التحضير والعربية، أو ما يُسمّى التركية. لكن في عام 2020 تغيّر كل شيء. يقول كريم لـ"النهار": "بدأت قصتي مع القهوة المختصّة أثناء دراستي للطب في قبرص.
طلبت قهوةً من مقهى مختلف، وتذوّقت القهوة الإثيوبية، فكانت حلاوتها أقرب إلى طعم الفواكه وكأنها تميل إلى الشاي. في تلك اللحظة أدركت أنّ القهوة المختصّة عالم كامل بحد ذاته".
من هنا انطلقت رحلة الاكتشاف. قدّمت له خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي محتوى خاصاً بالقهوة المختصّة وأماكنها، فتعمّق أكثر في هذا العالم. تابع فيديوات وشروحات لأشهر، ثم عاد إلى المقهى ذاته متحمّساً لتجربة جديدة. اشترى أوّل مطحنة يدوية، وأداة V60 للترشيح، وغلاية متخصّصة، ليغوص أكثر في تفاصيل التحضير ويتقن أساليبه المختلفة.
ومع الوقت تعرّف إلى أداة الـ(AeroPress)، التي ابتكرها آلن أدير عام 2005، وتقوم على الضغط الهوائي لاستخلاص نكهة غنيّة ومتوازنة. يقول كريم: "الأيروبريس أسلوب مختلف تماماً عن الفلترة أو الإسبريسو، ولكل تقنية سحرها الخاص".
شارك في أول مسابقة له في قبرص، حيث صقلته التجربة رغم أنّه لم يربح. لم يتوقف عندها، ففي لندن عام 2023 حيث كان يقيم شارك مجدداً، باحثاً عن فهم أعمق لما يفضّله الحكّام، وجرّب تقنيات مثل الـ"bypass"، وابتكر وصفاته الخاصة للماء المستخدم في التحضير.
وصل إلى النهائيات وفاز باللقب، ليمثل بريطانيا في بطولة العالم للأيروبريس في أستراليا. وهناك، اندهش من حجم مجتمع محبّي هذه الأداة وتعقيد وصفاتهم التي تصل إلى حد تعديل تركيب الماء بإضافة المغنيسيوم والكالسيوم والصوديوم. لم يربح يومها، لكن التجربة كانت أوسع من أي مكسب مادي.
رحلته مع القهوة لم تكن مجرّد منافسات، بل طقوس يومية تمنح التجربة معنى خاصاً. يبدأ الأمر منذ فتح كيس القهوة واستنشاق الرائحة، مروراً بمرحلة الطحن، وصولاً إلى التحضير، حيث تختلف النكهات بحسب درجة الحرارة وتكشف كل رشفة عن ملامح جديدة. وهنا، لم تعد القهوة بالنسبة إليه مجرّد عادة فرديّة، بل مشاركة مع خطيبته وأهله، حيث يتحوّل الفنجان إلى لحظة دفء ولقاء.
يشير كريم إلى أنّ جمال القهوة يكمن في التفاصيل الصغيرة: من نوعيّة البن وجودته، إلى تركيب الماء الذي يشكّل معظم الفنجان، فالتحميص الخفيف يحافظ على الخصائص الطبيعية، بينما تحدّد درجة الحرارة توازن النكهة.
وحتى الطحن، حين يكون طازجاً وبأداة مناسبة، يكشف عن طبقات النكهة بدقّة. ويرى أنّ الميزان ركن أساسي لضبط التوازن بين القهوة والماء، فهو الطريق إلى الطعم الأمثل.
ويفكّك كريم اعتقاداً شائعاً أنّ مرارة القهوة دليل قوّتها. فالتحميص الفاتح يحتوي على كافيين أعلى من الداكن، على عكس ما يظنّ الكثيرون. وحتى القهوة التركية، رغم شهرتها، تحمل كافيين أقل من الإسبريسو الذي يقدّم بين 60 و80 ملغ. أمّا القهوة المفلترة فقد تصل إلى 300 ملغ في الكوب الواحد. لذلك، فإنّ اليقظة الحقيقية لا تصنعها المرارة، بل التحميص الفاتح والفلتر كوفي.
وعن فكرته عن "القهوة المثاليّة"، يرسم كريم صورة عطريّة وفاكهيّة: تحميصاً خفيفاً، حموضة واضحة، نكهات خوخ ومانغو وشايا بارداً ممزوجاً بالياسمين أو زهر البرتقال، مع حلاوة طبيعيّة تجعل الفنجان أقرب إلى قطعة فاكهة سائلة. ويضع حبوب الجيشا على رأس القائمة بما تحمله من بروفايل غني. لكن القهوة الإثيوبية أيضاً تأسره بصفائها ونكهاتها التي تشبه الشاي الأسود أو الفواكه الحمراء كالتوت والفراولة، مع لمسة زهريّةً أنيقة.
أمّا عن المرافَقات، فجوابه قاطع: لا شيء. فالقهوة المختصّة بالنسبة إليه تجربة قائمة بذاتها، لا تحتاج إلى سكر أو شوكولا. يشبّهها بالشاي الفاخر الذي لا يحتاج إلى إضافات. فالفلات وايت والكابتشينو قد يكونان خيارا أحياناً، لكن حين يتعلّق الأمر بالقهوة المختصّة، يفضّل كريم أن يتركها تعبّر عن نفسها وحدها.
ولأنّ الحلم غالباً ما يولد من شغف، يفكّر كريم يوم في أن يفتتح مقهى خاصاً به، ليحوّل تجربته الشخصيّة مع القهوة إلى مساحةً تجمع الناس على نكهات وقصص لا تنتهي.
العلامات الدالة
الأكثر قراءة
