حين تصبح الموسيقى علاجاً والطبيعة دواءً: رامي معلوف يتأمّل الوجود في "بودكاست مع نايلة"
في لقاء جديد من "بودكاست مع نايلة"، حملت المقابلة التي أجرتها نايلة تويني مع الباحث وعالِم النباتات والموسيقي رامي معلوف نَفَساً مختلفاً، حيث اجتمعت الموسيقى بالطبيعة في مسار واحد يختصر هويته ورؤيته للحياة. لم يكن الحوار مجرد حديث عن الفن، بل عن علاقة عميقة تربطه بالأرض والزهور، علاقة بلغت ذروتها حين اكتشف زهرة نادرة في صنين أطلق عليها اسم "نسمة صنين"، لتصبح رمزاً يجمع بين العلم والحسّ المرهف.
يعرّف رامي نفسه ببساطة: موسيقي وابن جبل، يحب الطبيعة ويتعلّم منها. يرى أن الموسيقى لم تكن يوماً خياراً بل قدر، فهي التي اختارته منذ طفولته، وصارت جزءاً لا يتجزأ من كيانه. يعزف الفلوت ويؤلف مقطوعاته بشغف، لكنه لا يعتبر ما يقوم به "عملاً" بالمعنى التقليدي. بالنسبة إليه، إذا قرّر أخذ إجازة، فهو يمضيها في العزف، إذ يجد في الموسيقى راحته وسعادته.
معلوف يعتبر نفسه محظوظاً لأنه يعيش من شغفه. لا يبحث عن الشهرة ولا يسعى لترك إرث باقٍ بعده، بل يعيش اللحظة ويريد لجمهوره أن يشاركه إحساسه الآني. في الحفلات، الأهم بالنسبة إليه هو التواصل مع الناس، أن ينقل لهم ما يشعر به ويجعلهم يغمضون أعينهم ليحسّوا بما يعجزون عن الشعور به وسط صخب الحياة اليومية.
لكن شغفه لا يقف عند حدود الموسيقى. فهو أيضاً عاشق للطبيعة والزهور، يصوّرها ويصنّفها ويشارك معرفته عبر موقع إلكتروني خصّصه لهذه الهواية الجدية. اكتشف أزهاراً نادرة في لبنان، بينها زهرة "نسمة صنين" التي لا تنبت إلا في سفوح صنين الغربية، وألّف لكل جبل من جبال لبنان مقطوعة موسيقية، كأن موسيقاه امتداد لصخور الأرض وهوائها. يقول: "أنا ابن جبل، أجدادي فلاحون، وربيت على شجرة الكرز"، ليؤكّد أن الموسيقى والطبيعة ينبعان من الجذور ذاتها.
يرى معلوف أن فقدان الطبيعة يعني فقدان جزء من إنسانيتنا. بالنسبة إليه، الطبيعة علاج يتفوّق على أيّ دواء. حين يطارد فراشة ليلتقط صورة لها، يشعر بأن تلك اللحظة أهم من زيارة آلاف الأطباء. ومن هنا تأتي رسالته: الوعي البيئي ضرورة، والحفاظ على الطبيعة واجب فردي وجماعي، لأننا إن فقدناها، فقدنا أنفسنا.

أما عن بيروت، فيرسم صورة قاتمة حين يصفها بـ"مدينة غوثام" بسبب رائحتها الكريهة، مقارنة بلبنان الثلاثينيات والأربعينيات الذي كان أخضر بشواطئه النقيّة. برأيه، الإنسان صار كفصيلة تغزو وتدمّر الفصائل الأخرى. لذلك يدعو إلى استعادة التواصل مع الأرض كخطوة لإنقاذ ما بقي.
ولا يخفي رامي نظرته الفلسفية للحياة. يحتسي قهوته مرّة، لكنه يقول: "الحياة حلوة ومرة في آن واحد، ولا يمكننا تجنّب المرّ، بل نتعلّم وننهض ونمضي". رغم كل شيء، يعترف بأنه راضٍ وسعيد لأنه يفعل ما يحب، ويشكر الحياة على هذا الامتياز. وعندما سألته نايلة عما بعد الموسيقى والطبيعة، أجاب ممازحاً: "النعش". لكنه سرعان ما أوضح أن أمامه الكثير ليكتشفه ويتعلّمه، فالحياة بالنسبة إليه رحلة لا تنتهي.
نبض