في مقابلة أجرتها نايلة تويني مع سليم عساف ضمن بودكاست "مع نايلة" على منصات النهار، كشف الفنان عن محطات مؤثرة في حياته، بدءاً من طفولته في الكويت، حيث بدأ وعيه الموسيقي بالتشكّل وسط بيئة مستقرّة، وصولاً إلى عودته إلى لبنان حيث واجه تحدّيات صقلت شخصيته الفنية. وتحدّث عن انصهاره في مجتمعه وتأثره بثقافته المتنوّعة، إذ تلقّى تعليمه في مدرسة للراهبات، ودرس العلوم الإسلامية، مما منحه أفقاً فكرياً واسعاً. كذلك استذكر كيف اكتشف موهبته في أحد فصول الصيف أثناء عمله في مطعم، حين كتب ولحّن أولى أغانيه. 

بين بساطته الذكية في الموسيقى، ورؤيته للبنان كبلد تناقضات يولّد الجمال، والحادثة التي غيّرت مساره الفني، عندما قيل له إنه لن يتلقى الدعم أبداً، يسرد سليم عساف رحلته بروح مليئة بالإصرار والشغف، مؤكّداً إيمانه العميق بالعائلة، والحبّ غير المشروط، والروحانيات التي تشكّل جزءاً من نظرته إلى الحياة والفن.

خلال المقابلة، سألته نايلة تويني عن تأليف الأغاني وما إذا كان يتطلب راحة البال والإلهام الهادئ، فأجابها بأن "التعصيب" في لبنان قد يكون هو ما يولّد الفن، مشيراً إلى أن الناس تعلّموا كيف يتلقّون الضربات بسرور ويتأقلمون مع الواقع القاسي في بلد يعاني من عدم الاستقرار. وبالنسبة له، كان عليه أن ينفصل عن هذا الواقع ليخلق عالمه الخاص، عالماً يمكنه فيه إنتاج أغاني تنبض بالفرح، رغم كل التحديات. 

وعندما سألته نايلة عن كيفية وصف موسيقاه، أكّد سليم أنه يسعى إلى تحقيق "البساطة الذكية"؛ وهو يؤمن بأن الموسيقى الناجحة هي التي تصل إلى القلب بأبسط الطرق، من دون أن تكون تقليدية أو مكرّرة. ويعتبر أن التأليف الموسيقي يتطلب ذكاءً في بناء الجملة اللحنية، كي تكون قريبة من الجمهور، لكن بشرط أن تحمل في طياتها عمقاً يجعلها خالدة. ويشير إلى أن هذا ما جعل الموسيقى الكلاسيكية تصمد عبر العصور، فرغم تعقيدها الهيكلي، فهي تنطوي على بساطة تجعلها مفهومة ومحبوبة.

لم تكن مسيرة سليم عساف سهلة، فقد واجه تحديات كبيرة في بداياته، كان أبرزها تعليق محبِط من أحد الصحافيين. لكن هذا لم يثنِه عن مواصلة مسيرته، بل زاده إصراراً على إثبات موهبته. ومن المحطات الفارقة في مشواره لقاؤه الأول بالسيدة ماجدة الرومي، التي تفاجأت بصغر سنه، ولم تتوقع أن يكون هو الملحّن الذي سمعت عنه. خلال اللقاء، منحته نصاً للشاعر طلال حيدر يخصّ ابنتها فرح، فأنهى تلحينه فور قراءته، لكنه فضّل التريّث قبل عرضه عليها ليترك انطباعاً احترافياً، مما شكّل خطوة مهمة في ترسيخ اسمه في عالم الموسيقى.

يروي سليم في البودكاست قصة طريفة، قصة طلبه يد زوجته. فبسبب حساسية المجتمع تجاه المهن الفنية، اتفق مع خطيبته على أن يخبر والدها بأنه يملك شركة لتنظيم الأعراس والمناسبات. وبعد أن أثبت نجاحه، لم يعد بحاجة إلى هذه المجاملة، وأصبح والد زوجته أحد أكثر الأشخاص افتخاراً به.
أما في حديثه عن العائلة، فيشدّد سليم على أهمية العلاقة بين الأهل والحب غير المشروط، قائلاً إن العلاقة بين الإنسان ووالديه هي الوحيدة التي تخلو من المصالح، مهما كانت الظروف؛ وهو يرى أن الحب الحقيقي هو ذلك الذي لا يتأثر بالمنافع، وهو ما يجده فقط في علاقة الأم والأب بأبنائهما.

من الناحية الفكرية، يعترف سليم بأنه شخص روحاني يؤمن بالماورائيات، ولا يرى أن الإيمان يجب أن يكون محصوراً في الأطر التقليدية، بل يؤمن بوجود قوى خفية تحكم هذا العالم، وهي التي تمنحه التوازن والإلهام. هذه الروحانية تنعكس في موسيقاه وأعماله، حيث يحاول دائماً أن ينقل إحساساً عميقاً بالوجود والوجدان.

سليم عساف ليس مجرد فنان، بل هو شخصية متعددة الأبعاد، تجمع ما بين الحسّ الفني العميق، والتجربة الحياتية الغنية، والإصرار الذي مكّنه من تجاوز التحديات والوصول إلى النجاح. قصته هي قصة شغف وإيمان بالموهبة، وإثبات أن الفن الحقيقي يولد من التحديات، لكنه قادر على صنع الجمال وسط الفوضى.

شاهدوا البودكاست كاملاً عبر قناة النهار على يوتيوب.