ليالي "الشندغة" في دبي التاريخية تستحضر التراث الإماراتي لحفظه

"الفنر" وحياكة "السدو" حرفتان يدويتان من التراث الإماراتي تسعى وزارة الثقافة للحفاظ عليهما ونقلهما من جيل إلى آخر رغم التطورات التقنية والحضارية التي تعيشها دولة الإمارات. وفي كل مناسبة وطنية ودينية تقيم هيئة الثقافة والفنون في إمارة دبي ورش عمل إبداعية تحاكي تراث الأجداد، وهذه السنة وبمناسبة شهر رمضان المبارك، كان اختيار منطقة الشندغة التاريخية في قطاع بر دبي التراثي مكاناً لإحياء سبع ليال من الورش التدريبية بهدف التعريف بالقيم والعادات والتقاليد التي يمتاز بها المجتمع المحلي وتمكين سكان دبي وزوارها من الاستمتاع بأجواء الشهر الفضيل.
"كان الفنر (كما يسميه الإماراتيون) أو الفانوس، الوسيلة الرئيسة للإضاءة قبل دخول الكهرباء إلى الإمارات ودول الخليج. وكان يصنع من الحديد أو النحاس أو المعادن الخفيفة، ويصبغ بألوان عدة، أغلبها الأزرق لون البحر. ولم تعمد الحكومة الرشيدة إلى إهمال الفنر، بل عملت عبر أندية التراث في كل إمارات الدولة على إحيائه كتفصيل تراثي مهم في الحياة اليومية لأجدادنا في البيئات البرية والبحرية والزراعية، فانتشر في القرى التراثية والمناطق القديمة كافة، وزيّن كبريات الفنادق والمؤسسات الرسمية"، وفق ما يقوله خالد المنصوري، أحد المشرفين على ورش التدريب.
ويضيف المنصوري:“كان الأجداد قديماً يشعلون الفنر بواسطة خوصة من سعف النخيل في الفتيلة الظاهرة داخل الغرشة، وثمة قرص في القاعدة يتحكم بقوة الإضاءة وضعفها يتم تدويره يميناً أو يساراً ليضيء الخيام والبيوت والعريش المصنوع من جريد النخيل".
حياكة خيم الصحراء
ويذكر المنصوري أن حياكة "السدو" واحدة من الحرف اليدوية الأساسية في الإمارات، وأحد أشكال النسج التقليدي الذي تمارسه النساء البدويات، ويُصنع السدو من صوف الأغنام والإبل والماعز. واستُخدم هذا النوع من النسيج في صناعة الخيم كما في تزيينها من الداخل. وغالباً كانت سروج الخيول والإبل أيضاً تُزيّن بالسدو. ويتميز "السدو" بالتصميمات والرموز الغنية بالألوان المبهجة المستوحاة من البيئة الطبيعية، والتي تعكس الهوية الاجتماعية للقبيلة. وكان السدو قديماً وسيلة مبتكرة لتلبية الاحتياجات الأساسية للناس في الصحراء، ولكنه أصبح الآن رمزاً مهماً لإبداع الإماراتي وقدرته على التكيف مع ظروف الحياة المتغيرة. وأُدرجت اليونسكو حرفة السدو عام 2011 ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية الذي يحتاج إلى صون عاجل.
حي الشندغة تاريخ دبي وبصمات سكانها القدماء
ويمتلك حي الشندغة التاريخي خصوصية معمارية تبرزها تفاصيل أزقته التي تسرد حياة سكان منطقة بر دبي، ويعد الحيّ مصدر إلهام للعديد من المواهب الشابة في مجالات الفنون والعمارة والتصوير والتصميم، من خلال المتاحف والبيوت التي تحتضن تاريخ دبي والخور وقصصاً عديدة أخرى يمكن قراءتها في المكان الذي يعد أحد أهم المراجع الحية التي توثق تقاليد المجتمع الإماراتي وثقافته اليومية عبر دوره المحوري في تاريخ إمارة دبي. ويعد "بيت الشيخ سعيد آل مكتوم" أبرز معالم المنطقة، ويرجع تاريخ إنشائه إلى عام 1896، وكان يستخدم مقراً للحاكم، ويشكل حقبة مهمة في تاريخ الإمارة، ما أكسبه أهمية تاريخية من الناحية الوظيفية، ثم اكتسب أهمية أخرى من الناحية المعمارية والفنية، كونه يمتاز بثراء مكوناته العمرانية وعناصره التراثية.