هل يجب أن نكون "سوبر وومن"؟

أم مثالية، زوجة عطوفة ومحبة، طاقة أنوثة مرتفعة، مهارات قيادية عالية، ذكاء عاطفي وانفعالي، جسم مثالي، وجه لا تشوبه شائبة وبالطبع منزل نظيف ومرتب...كل هذه التعابير باتت تطغى على مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة حتى تحولّت إلى صيحات لا ينفك ناشطون يتحدثون عنها، فهل على المرأة أن تكون سوبر وومن؟
“أجلس كل مساء لمشاهدة تطبيق التيك توك لمدة ساعة أو أكثر وهي فقرة النقاهة لدي بعد عودتي من عملي وانتهائي من وضع الغداء ثم تنظيف المنزل وتجهيز أعمال اليوم التالي، والحديث من زوجي قليلاً حول مستقبلنا، وما أن أفتح التطبيق ، حتى تنهال علي الاقتراحات لمقاطع فيديو جميعها تصّب في نفس الموضوع: كيف تصبحين المرأة الخارقة القادرة على تحقيق المعجزات وهو ما يعيدني إلى دوامة الأعمال اليومية نفسها، ويخرجني من عالم الراحة الذي دخلت إليه قبل دقائق معيداً إلي شريط المهام التي قمت بها والمهام التي فاتتني والمهام التي لم أقم بها ولكنها سترفعني درجة في سلم المرأة السوبر وومان”.
"نحتاج إلى أم سعيدة"
رنا -وهو اسم مستعار- تشرح لـ”النهار” كيف أصبحت تشعر حيال المصطلحات الجديدة التي أصبحاً عبئاً على النساء بدل أن تفيدها كما هو المنوط منها، مضيفة: “بالنسبة لي، لا يجب أن أضع جدولاً وأمشي عليه، سأقوم بما يمكنني أن أقوم به وأترك ما لا يمكنني فعله إلى يوم آخر، لطالما كنت أؤمن أن الأطفال يحتاجون إلى أم سعيدة وليس إلى أم خارقة”.
ياسمين وهي سيدة متزوجة حديثاً ترفض الحديث أيضاً عن مصطلح “المرأة الخارقة”، طالما تعطي لمنزلها ونفسها ما تستطيع القيام به، قائلةً لـ”النهار”: “انطلاقاً من تجربتي الصغيرة، أستطيع القول أنه ليس مطلوباً من المرأة القيام بما هو أكثر من طاقتها كي تنجح في اختبارات المجتمع والتي تستمرّ في التغيّر مع الوقت ولن نستطيع اللحاق بها، من وضع هذه القوانين، وفرضها علينا ولماذا هي حكر على النساء، لا يمكننا الاستهانة بما سيخلقه هذا المصطلح من مشاكل تضاف على حياة النساء، قد تنمي عقدة التقصير الدائم التي غذاها المجتمع لدى النساء،
وقد تصبح حياة النساء عرضة للمقارنة مع نساء أخريات في مجال إدارة شؤون حياتهن خصوصاً العاملات اللواتي لديهن شريك حياة أو طفل وتجمع بين مختلف الوظائف اليومية، دون التطرق إلى مسألة الاختلاف في ظروف الحياة بين امرأة وأخرى.
"مفهوم فير واقعي"
مفهوم المرأة الخارقة من المنظور العام هي القادرة على القيام بكل الأدوار التقليدية الرعائية والأدوار الحديثة داخل سوق العمل، والتميز في الاثنين معاً، ولديها نشاطات اجتماعية أخرى، بحسب ما شرحت أستاذة علم الإجتماع في الجامعة اللّبنانيّة جانيت جبور لـ”النهار” التي أضافت: “ظهر الاهتمام بهذا المصطلح بعد دخول المرأة بقوة في سوق العمل، ما حتّم عليها البقاء على أدوارها القديمة والقيام بأدوار مستجدة، أصبح المفهوم أكثر تعقيداً والمرأة فيه مطالبة بالتميز بطريقة أكبر”.
وعن أدوار مواقع التواصل الاجتماعي في تغذية هذه الظاهرة قالت جبور إن هذا المفهوم غذته بقوة مواقع التواصل التي تعيد تشكيل الأدوار الجندرية فارضة معايير غير واقعية على النساء، وهو ما يضغط عليهن أكثر للوصول إلى المعايير المثالية ما يؤثر سلباً على الصحة النفسية خصوصاً للنساء اللواتي يظهرن يحاولن إظهار أنفسهن على مواقع التواصل بهذه الصورة”.
إلى جانب مواقع التواصل الاجتماعي التي ضغطت على المرأة لإظهار نفسها بتوازن مثالي معين، هناك دور ضاغط كبير للمفاهيم التقليدية في المجتمع التي تحكم على المرأة أن تتميز في كل مجالات حياتها مع الأخذ بعين الاعتبار الأزمة الاقتصادية التي زادت من الأعباء المادية على المرأة وبالتالي زيادة المهام المطلوبة منها، ولا يمكننا أن نستهين بالحملات النسوية التي اتخذت شكلاً مختلفاً عما هو مطلوب منها وباتت تريد منها الوصول إلى نقطة الكمال دون أخذ حاجاتها وظروفها بعين الاعتبار.
تلخّص جبور الأمر مؤكّدة أن “هذا المفهوم يساعد على تحفيز وتشجيع النساء في بعض الأحيان، لكنه أيضاً يرسم معايير غير واقعية تؤثّر سلباً أكثر منه إيجاباً، ولذلك، يجب إعادة النظر بالخطابات السائدة لتشجيع النساء على قبول ذواتهن دون السعي الدائم للكمال المرهق وغير الواقعي”.
"دعونا لا نصدق كل ما نراه عبر مواقع التواصل الاجتماعي"، تشرح نور لـ”النهار” كيف تصنع مواقع التواصل الاجتماعي بشراً غير قادرين على رؤية مع وراء المنشور، فليس كل ما نراه يمكننا الوثوق به وتصديقه، مضيفة بأن الطبيعة الإنسانية تفرض الاختلاف بين شخص وآخر: “ليست لدينا قوة خارقة ولا يجب أن نكافح للحصول عليها، يمكننا العمل على تطوير ذاتنا وهو أمر ضروري جداً إلا أن السعي للكمال خصوصاً بالنسبة إلى المرأة هو وهم، ثم ما هو تعريف المرأة الخارقة وكيف يجب أن تكون، لا أحد يمكننه الجزم بالأمر”.
عبء ثقيل
لم يعد مفهوم "المرأة الخارقة" مجرد صورة نمطية عابرة، بل أصبح عبئًا ثقيلاً يرزح تحته كاهل المرأة المعاصرة. هذا المفهوم، رغم مظهره البرّاق، يحمل في طياته سمومًا تتسلل إلى حياة المرأة، فتنهك قواها، وتستنزف طاقتها، وتُثقل كاهلها وتزيدا ضغوطاً على عاتقها.