يعدّ عيد رأس السنة الجديدة أحد أهم الاحتفالات في مختلف الثقافات حول العالم. تكتسب هذه المناسبة طابعاً مميزاً في كل دولة، حيث يتباين تاريخ بداية السنة الجديدة وطريقة الاحتفال بها. في هذا التقرير، نستعرض تاريخ عيد رأس السنة الجديدة وأصول تقاليد الاحتفال به عبر العصور المختلفة.
أصل عيد رأس السنة الجديدة
يعود أقدم سجل معروف لمهرجان رأس السنة الجديدة إلى نحو 2000 قبل الميلاد في بلاد ما بين النهرين. في بابل، كانت بداية السنة (أكيتو) تعتمد على القمر الجديد بعد الاعتدال الربيعي، بينما في آشور، كانت البداية تتم مع القمر الجديد الأقرب إلى الاعتدال الخريفي في منتصف سبتمبر.
أما في مصر وفينيقيا، فقد كانت السنة الجديدة تبدأ في الاعتدال الخريفي (21 أيلول - سبتمبر)، بينما بدأ الفرس القدماء سنتهم مع الاعتدال الربيعي (21 آذار - مارس)، والإغريق الأوائل كانوا يبدأون سنة جديدة مع الانقلاب الشتوي (21 كانون الأول - ديسمبر).
في عهد الجمهورية الرومانية، كانت السنة تبدأ في 1 مارس، ولكن اعتباراً من عام 153 قبل الميلاد، أصبح 1 يناير هو التاريخ الرسمي لبداية السنة، وهو ما استمر في التقويم اليولياني الذي أُعتمد في 46 قبل الميلاد.
التقويم المسيحي وتغيير تاريخ رأس السنة
في العصور الوسطى، اعتبرت معظم الدول المسيحية بداية السنة الجديدة في 25 مارس، وهو تاريخ عيد البشارة. في المقابل، كانت إنجلترا الأنجلوسكسونية تحتفل برأس السنة في 25 ديسمبر. وقد أصدر ويليام الفاتح مرسوماً بتحديد 1 كانون الثاني (يناير) كبداية للسنة الجديدة، لكن إنجلترا تبنت فيما بعد بداية السنة في 25 مارس.
في عام 1582، اعتمدت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية التقويم الغريغوري، الذي حدد 1 يناير كبداية رسمية للسنة الجديدة. تبعته معظم الدول الأوروبية تدريجيًا: اسكتلندا في عام 1660، وألمانيا والدنمارك في حوالي عام 1700، وإنجلترا في 1752، ثم روسيا في 1918.
التقاليد الرمزية: قبلة رأس السنة الجديدة
تعدّ قبلة منتصف الليل في ليلة رأس السنة الجديدة من التقاليد العريقة التي تحمل رمزية خاصة في معظم الثقافات. إذ يتم تبادل القبلات عند منتصف الليل كرمز للأمل والتجديد، وللتعبير عن المحبّة والسكينة في بداية العام الجديد.
تعود أصول هذه العادة إلى العصور القديمة، حيث كان تبادل القبلات في المهرجانات الرومانية، مثل عيد ساتورن وعيد لوبركاليا، يمثل المصالحة والوحدة بين الناس. في العصور الوسطى وعصر النهضة، كان يُعتقد أن أول شخص يقابله الفرد في العام الجديد سيحدّد نغمة العام المقبل. لهذا السبب، كانت القبلة ترمز إلى بداية عام مليء بالمودة والسعادة.
العد التنازلي لرأس السنة الجديدة
في العصر الحديث، أصبح العد التنازلي لبداية العام الجديد جزءاً أساسياً من الاحتفالات. أصبح العد التنازلي أكثر شيوعاً في القرن العشرين، حيث بدأ مع بداية العد التنازلي لأول مرة عبر التلفاز في الستينيات. في عام 1979، تم إضفاء الطابع الاحتفالي على هذا العد في ميدان تايمز سكوير في نيويورك، حيث أصبح جزءاً من تقاليد رأس السنة الجديدة في أمريكا والعالم.
إن تاريخ عيد رأس السنة الجديدة مليء بالتحولات الثقافية والدينية، ويعكس تنوع العادات والتقاليد التي سادت عبر العصور. من المهرجانات الرومانية القديمة إلى التقاليد الحديثة في الاحتفالات، يستمر رأس السنة الجديدة في كونه مناسبة عالمية تحتفل فيها الشعوب ببداية مرحلة جديدة في حياتها، مليئة بالأمل والتجديد.
نبض