أجواء الميلاد تملأ لبنان بالفرح والبهجة: الساحات تمتلئ بالأضواء والزينة... والمردود أهم من الكلفة
مع اقتراب الأعياد، ترتدي المناطق اللبنانية حلّة استثنائية، فتتحوّل الشوارع والساحات إلى لوحات مضيئة تنبض بالفرح. من القرى الجبلية إلى المدن الساحلية، تنتشر أشجار الميلاد مزدانةً بزينة متقنة تعكس في أحيان كثيرة ذوقاً يجمع بين البساطة والابتكار. أضواء ملوّنة، نجوم لامعة، ومجسّمات مستوحاة من التراث والميلاد، تتداخل مع موسيقى العيد وروائح الكستناء والمأكولات الموسمية، لتصنع أجواء دافئة رغم برد الشتاء.
في بلد اعتاد تحويل التحديات إلى مساحة للأمل، يصبح الميلاد مناسبةً جماعية لإحياء روح اللقاء والتضامن. تتفنّن البلديات والمبادرات الأهلية في ابتكار زينة تحمل رسائل فرح وصمود، فيما تتحوّل الساحات العامة إلى نقاط جذب للعائلات والزائرين. وهكذا، لا تقتصر أشجار الميلاد في لبنان على كونها رمزاً احتفالياً، بل تتحوّل إلى تعبير بصري عن رغبة جماعية بالبهجة، وبإضاءة الحياة مهما اشتدّت العتمة.
غير أنّ أجواء الزينة هذا العام، ككل عام، ترافقها نقاشات حول الكلفة، ولا سيّما في ظل محدودية إمكانات عدد من البلديات التي لا تملك دائماً ميزانيات تسمح لها بالتوسّع في أنواع الزينة والأضواء، بعضها مرتفع الكلفة. جولة لـ"النهار" على آراء عدد من رؤساء البلديات والمسؤولين أظهرت تقاطعاً في الإجابات: التعاون بين أكثر من جهة، من بلديات، ولجان مهرجانات، وقطاع خاص، ومغتربين، هو الأساس في إنجاح هذه المبادرات.
في مدينة البترون، يوضح سايد فياض، رئيس لجنة المهرجانات، أنّ الزينة هذا العام موزّعة على سبع محطات في قلب المدينة، تشمل شجرة الميلاد، المغارة، مجسّمات ثلاثية الأبعاد، بيوت المغتربين، ساحة السيدة ومار اصطفهان، إلى جانب الشجرة الرئيسية. ويشير إلى أنّ الأجواء في وسط المدينة "ثرية وحيوية"، مع أمسيات موسيقية وريسيتيلات تضفي طابعاً احتفالياً مميّزاً. أمّا عن التمويل، فيؤكد أنّ البلدية لا تدخل مباشرة في تفاصيل الكلفة، إذ يأتي الدعم من رعاة يعتبرون هذه الزينة استثماراً يعود بالفائدة عليهم، ضمن تعاون يجمع بلدية البترون، لجنة المهرجانات، بترونيات، لجنة الطاقة الاغترابية، ومبادرات أخرى.
وفي مدينة جبيل، تبدو الحركة لافتة مع أعداد كبيرة من الزوار والسيارات، حيث تم تسجيل إقبال تخطّى الألف شخص يومياً، بمستوى لا يقل عن السنوات الماضية، وفق آية يونس المسؤولة الإعلامية في البلدية.
وتشير مصادر بلدية إلى أنّ التمويل متوافر ضمن الإمكانات، مع مساهمة مباشرة من التجّار وأصحاب المؤسسات في السوق، معتبرين أنّ ما يصرف على الزينة ينعكس ربحاً على القطاعات السياحية والتجارية ومحال الألبسة. ومن زينة الأسواق إلى الشجرة المبهرة، يركن الرأي على أن الاستقرار في وتيرة الاحتفالات والزينة بات سمة ثابتة في جبيل خلال مواسم الأعياد.
في موازاة نقاش الكلفة، يبرز نقاش حول الذوق والفكرة المبتكرة، وهنا تتفاوت الآراء. ولعلّ من أبرز تلك النقاشات ما طال زينة أسواق بيروت التي أبرزت أقواساً هندسية بصرية نسبها البعض إلى مناسبات مختلفة عن مناسبة الميلاد، الأمر الذي دحضه البعض الآخر معتبراً أن زينة مماثلة تحتضنها مدن أوروبية.
بين الكلفة والعائد، وبين الواقع الصعب والرغبة في الفرح، يصرّ اللبنانيون، بلدياتٍ وأهالي ومبادرات خاصة، على إبقاء الميلاد مساحة ضوء مشتركة، تثبت أنّ للفرح مكاناً دائماً في الحياة العامة، مهما تبدّلت الظروف.
نبض