ريستال ديني يكسر الصمت ويؤذن بمرحلة ثقافية روحية جديدة في بعلبك
في زمن الميلاد، استعادت بعلبك صوتها الروحي الذي غاب طويلاً، فصدحت التراتيل في قلب كاتدرائية القديستين تقلا وبربارة، وامتدّ صداها إلى مدرجات قلعتها الأثرية، في أمسية ميلادية استثنائية جسدت دعوة المزمور:
رَنّمُوا لِلرَّبِّ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً. أَحْسِنُوا الْعَزْفَ مَعَ الْهُتَافِ".
أُقيم مساء أمس في مدينة الشمس أول ريستال ديني ضخم منذ عقود، مُعلناً نهاية مرحلة طويلة من الانكماش، كان التعبير الموسيقي الديني فيها محصوراً في إطار ضيّق وخجول.

رعى هذه الأمسية النائب الدكتور سامر التوم، ونظمتها لجنة "بيبقيلنا الفرح"، وانطلق الريسيتال من قلب الإيمان في كاتدرائية القديستين تقلا وبربارة للروم الملكيين الكاثوليك. لكن صداه تعدى جدرانها محاكياً إدراج قلعة بعلبك الأثرية، في لوحة فنية وروحية جامعة.
أما بث الحفل مباشرة من الكنيسة إلى القلعة، فلم يكن مجرّد انتقال في المكان، بل خطوة مدروسة لربط الروح بالإرث، والدين بالتاريخ، وللتأكيد على أن بعلبك قادرة أن تكون منارة روحية كما هي حضارية.

أحيت الريستال "جوقة سانتا ماريا" بقيادة المايسترو جميل توفيق، بحيث انعكس الأداء المتقن للتراتيل على الحضور، وخيّم جو من الخشوع والتأثر المباشر في كلا الموقعين، وتقدم الحضور راعي أبرشية بعلبك للروم الملكيين الكاثوليك المطران ميخائيل فرح، راعي أبرشية بعلبك ودير الأحمر للموارنة المطران حنا رحمة، متروبوليت زحلة وبعلبك للروم الأرثوذكس المطران أنطونيوس الصوري، رئيس بلدية بعلبك المحامي احمد الطفيلي ، المحامي أحمد وهبة ممثلاً مفتي بعلبك - الهرمل الشيخ بكر الرفاعي، رئيس دير سيدة المعونات الاب شربل طراد، الاباء : مروان معلوف، ربيع شعبان، يوسف شاهين، اليان نصرالله إلى جانب فعاليات دينية وسياسية وبلدية واجتماعية.

وأكد المطران فرحا في كلمته على الجوهر الروحي للحدث: "نلتقي اليوم بعد غياب طال عن هذه الاحتفالات... لكن نور الميلاد الجديد جمعنا كما يعيد الفرح إلى القلوب المتعبة. فالميلاد ليس مجرد حدث سنوي، بل هو دعوة متجددة لنعود إلى جوهر رسالتنا: أن نكون صانعي سلام، وبناة للرجاء، وحاملين للضوء في زمن يكثر فيه الظلام".
وشدد على "أن الميلاد زمن أشرق فيه نور عظيم على الساكنين في بقعة الظلمة"، داعياً إلى "القيام معاً والسماح لنور المسيح أن يضيء الجروح".
وأوجز رسائل الميلاد بثلاث نقاط محورية: "رسالة سلام في عالم تعب من الانقسام، رسالة رجاء وسط الأزمات، ورسالة محبة تدعو للتقرب من المتألمين". واختتم كلمته بـ"لا تخافوا" التي حملها الملاك، شاكراً كل من عمل بصمت، وفي مقدمهم السيدة رولا التوم.
من جهتها، ألقت رئيسة جمعية "بيبقيلنا الفرح" رولا التوم كلمة ربطت فيها بين صمود المدينة وروحانية الميلاد، واصفةً بعلبك بأنها "مدينة واقفة متل أسطورة شامخة بحجارتها راسخة بإيمان ناسها، مدينة ما غيرت فيها العواصف ولا الحروب". وشددت على أن الهدف من هذه الأمسية إيصال "شعلة أمل وحب" من القلب إلى القلوب، مؤكدة أن جوقة "سانتا ماريا" قدمت عطاءً مجانياً من القلب.
في ليلة واحدة، أثبتت المدينة أن الميلاد ليس زينة فحسب، بل ترنيمة تعيد الى الحياة معناها، والى الناس الرجاء، ما يدلّ على تعطش واضح الى فعاليات روحية نوعية تتجاوز الإطار المناسباتي (الذي كان مقتصراً سابقاً على القداديس والنشاطات الميلادية لدير سيدة المعونات، ومدرسة راهبات القلبين الأقدسين)، وتؤسس لمسار ثقافي مستدام يعيد الى المدينة موقعها على خارطة الأنشطة الدينية والفنية والثقافية.
نبض