الطفولة المفقودة في الحرب: أسيل نموذجاً موجعاً

مجتمع 20-11-2025 | 10:15

الطفولة المفقودة في الحرب: أسيل نموذجاً موجعاً

تتحدث المواثيق الدولية عن حق الطفل في التعليم والحماية والنمو في بيئة آمنة، لكن واقع الحروب يكتب قصصاً مختلفة.
الطفولة المفقودة في الحرب: أسيل نموذجاً موجعاً
الطفولة المفقودة في الحرب.
Smaller Bigger

في الحروب، تكون الطفولة أول الضحايا. هناك حيث تتساقط القذائف، تُدفن إلى جانب الركام أحلام كثيرة: مقاعد الدراسة، دفء الأمان، حضن العائلة، وحق بسيط في أن يكون الأطفال… أطفالاً. 

 

تتحدث المواثيق الدولية عن حق الطفل في التعليم والحماية والنمو في بيئة آمنة، لكن واقع الحروب يكتب قصصاً مختلفة. أطفالٌ يواجهون صدمات لا تُمحى بسهولة، يعيشون بين الخوف والنجاة، بين القلق والأمل. من بين تلك القصص تبرز حكاية أسيل، الطفلة التي نجت من الموت لتبدأ رحلة جديدة. 

 

 

لم أتصوّر يوماً أن أقف في تلك الغرفة، برفقة اليونيسف، أستمع إلى قصتها، وأتأمل وجعها، أراقب ندوبها التي تختصر حرباً كاملة، وخساراتها التي تحملها بعزمٍ وصمتٍ وايمان. أسيل شرارة، إبنة الـ13 عاماً، الناجية الوحيدة من بين أخوتها الثلاثة الذين ارتقوا شهداء مع والدهم في مجزرة بنت جبيل عندما استهدفت غارة إسرائيلية درّاجة ناريّة تمرّ بجانب سيارتهم، تواصل معركتها مع والدتها أماني، تحمل مطلبها الوحيد على على شفتيها المجروحتين:  وتقول "بدي حقق العدالة لعيلتي".

 

تتشبّث أسيل بالأمل كما كانت تتمسّك بأقلامها الملوّنة التي كانت ترسم بها أحلامها الصغيرة قبل أن تُحرق الحرب ألوانها. على سرير المستشفى في الجامعة الأميركية في بيروت، تتحدث باسمها وباسم كل الأطفال الذين سُلبوا من طفولتهم، أولئك الذين صاروا أرقاماً في بيانات الحرب، وضحايا لصراع لا ذنب لهم فيه.

 

أسيل واحدة من بين 1500طفل أصيبوا خلال الحرب أو في مرحلة وقف إطلاق النار. وفق الأرقام الرسمية، قُتل أكثر من 300 طفل منذ اندلاع الحرب في أيلول/سبتمبر 2024، فيما لا تزال حياة الأطفال مهدَّدة حتى بعد الهدنة، إذ قُتل، بحسب اليونيسف، ما لا يقل عن 13 طفلاً إضافياً وأُصيب العشرات، بينهم أشقاء أسيل الثلاثة.

 

 من غرفتها في المستشفى تبدأ حكاية أخرى، حكاية العدالة والطفولة والأمل. عندما تنظر إلى أسيل، تدرك حجم الفظاعة التي يعيشها أطفال لبنان اليوم. تعرف تماماً ماذا تقول ولماذا، هي التي تذوقت مرارة الخسارة والصدمة والألم، تقول بصوتها الخافت: "أين الإنسانية عندما يُقتل أطفال أبرياء... لقد سرقوا أحلامنا".

 

كانت لأسيل أحلام صغيرة تشبهها، بسيطة وملونة، لكن في أيلول انكسر كل شيء في لحظة. صار الحلم الوحيد لأسيل أن يكون ذلك اليوم المشؤوم مجرد كابوسٍ عابر، وأن تستيقظ لتجد حياتها كما كانت: آمنة، هادئة، مليئة بالحب والضحك.

 

في لحظات معدودة، انهارت حياة العائلة تحت وطأة الاستهداف الإسرائيلي. وجدت أسيل نفسها بين الحياة والموت، جروحها الخطيرة أنهكت جسدها الصغير لكن روحها العاشقة للحياة أعادتها إلى أحضان والدتها أماني التي انتظرتها بقلبٍ مثقل بالرجاء، تصلي في كل لحظة أن ترى ابنتها تفتح عينيها من جديد.

 

تجلس أسيل على  سرير المستشفى كطفلة كبرت فجأة، تتحدث عن العدالة والحق، تكرّر كلمة واحدة كأنها وعد أو عهد "بدي آخذ حق بيي واخواتي بالعدالة"، تخاف أن تبقى هي ووالدتها وحيدتين، في عالمٍ فقدت فيه الأمان دفعةً واحدة. تُدرك ، رغم صغر سنها، أن لا عودة إلى الوراء: "لا الزمن راح يرجع، ولا هني رح يرجعوا." تحمل كل شيء في قلبها وعلى جسدها أكثر من جرح سيذكرها بالجريمة التي لحقت بها وبعائلتها وبالحقوق المسلوبة بحق المدنيين والأطفال تحديداً. 

 

الخوف لا يفارق أسيل التي تصارح  والدتها بأسئلة مؤلمة: "شو بدو يصير فينا أنا وإياكي بس نصير لحالنا؟". تقلقها تفاصيل المستقبل الغامض -المنزل، الدراسة، والحياة اليومية- لكنها في الوقت نفسه لديها أحلامها الجميلة ومنها أن تصبح طبيبة أسنان.

 

تتلقى أسيل العلاج المتخصص ضمن برنامج "أقوى" الذي تمّ اطلاقه في آذار/مارس 2025 من وزارة الصحة بالشراكة مع اليونيسف والاتحاد الأوروبي وبالتعاون مع المنظمة الدولية للإغاثة والمساعدة – إينارا وصندوق غسان أبو ستة للأطفال. وتعتبر أسيل واحدة من 426 طفلاً استفادوا من هذا البرنامج الذي يوفر خدمات علاج طبي متخصص وعمليات جراحية وأطراف صناعية وتأهيل فيزيائي بالإضافة إلى الدعم النفسي.

 

قرب سريرها صورة جميلة لأسيل كُتب عليها "من هي أقوى فتاة في العالم... التي حوّلت الألم إلى قوة"، قد تكون هذه العبارة الأصدق في اختصار قصة أسيل ووالدتها أماني. تؤمن أسيل بـ "انو بكرا راح يكون أحلى" رغم كل شيء، وتعترف قائلة: "اخواتي وبيي ما بدن اياني كون زعلانة، اذا شافوني مبسوطة راح يكونو هني كمان مبسوطين محل ما هني اليوم".

 

قصة أسيل ليست سوى مرآة لوجع مئات الأطفال الذين خسروا حقهم في الأمان والفرح والطفولة. هي نداء صادق لنقول للجميع بأن ما يحدث لا يجب أن يصبح واقعاً مألوفاً أو قدراً مقبولاً. فالأطفال يستحقون حياة آمنة وسليمة، ينعمون فيها بحقوقهم الطبيعية، بعيداً عن الخوف والحرمان.


يقول ممثل اليونيسف في لبنان، ماركولويجي كورسي : "في يوم الطفل العالمي، حملت لنا أسيل رسائل صادقة تذكّر بأن لا طفل يجب أن يكون هدفًا أو ضحية لأي نزاع. لكل طفل حقّ في الأمان والحياة والفرص ليحلم ويكبر بكرامة. واليونيسف ستواصل الوقوف إلى جانب أسيل وإلى جانب كل طفل في لبنان لضمان هذه الحقوق".

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

سياسة 11/18/2025 10:10:00 PM
استهداف إسرائيلي في عين الحلوة... وعدد كبير من الضحايا.
سياسة 11/19/2025 1:59:00 PM
مصادر في المتحف توضح في اتصال مع "النهار" تفاصيل صنع التمثال
سياسة 11/19/2025 7:27:00 PM
المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي:  تم تقديم بلاغات بشأن بعض الأهداف الموجودة داخل القرية خلال الأشهر الأخيرة عبر الآلية المخصصة لتنفيذ التفاهمات، لكنها لم تعالَج
مجتمع 11/18/2025 10:59:00 PM
أثناء استكمال المداهمة لمنزل شقيقه المطلوب حسين عباس جعفر، انفجرت عبوة ناسفة كانت مزروعة في بوابة المنزل...