الاتّفاقية القضائية بين الشروط السورية والتريّث اللبناني... هل تسلّم بيروت قتلة العسكريين وغير المحكومين؟
لم تتظهر نتائج المفاوضات اللبنانية - السورية في شأن الاتفاقية القضائية التي سبق أن عرضها لبنان لتسليم السجناء السوريين في لبنان، وسط تضارب واضح بين الطرفين، خلافا للأجواء التي سادت لقاء وزيري العدل في بيروت. وتظهّر ذلك في الاجتماع القضائي اللبناني - السوري الأخير الذي عقد في دمشق ولم يكن مثمراً لجهة الاتفاق على مسودة الاتفاقية، في ظل مطالبة دمشق بتسليمها محكومين وموقوفين لا تنطبق عليهم المعايير التي وضعها لبنان، ولا سيما أولئك الذين قتلوا عسكريين ومدنيين وشاركوا في القتال ضد الجيش اللبناني. فهل تستجيب بيروت للشروط السورية؟
لم يعد خافياً أن دمشق تضع مسألة السجناء والمحكومين السوريين في لبنان على رأس أولوياتها في العلاقة الثنائية. وخلال اللقاء الأخير بين الرئيس جوزف عون ونائب رئيس الحكومة طارق متري ووزير العدل عادل نصار وعدد من القضاة، كان تشديد على "ضرورة درس أفضل الصيغ القانونية الممكنة للتفاهم والاتفاق مع الجانب السوري".
يُستخلص من كلام متري أن الصيغة التي طُرحت سابقاً لم يتم التوافق عليها، وتاليا كانت توجيهات عون لدرس أفضل الصيغ الممكنة للتفاهم والاتفاق مع الجانب السوري.
كل ذلك يؤكد أن التباين لا يزال واضحاً في شأن التوجه اللبناني والشروط السورية. فالخلاف على نقطتين، الأولى تتصل بمصير الموقوفين غير المحكومين، والثانية بتمسك لبنان، حتى تاريخه، بعدم تسليم قتلة العسكريين والمدنيين والمدانين بجرائم اغتصاب.

وتتصل المعضلة بالنقطة الأولى، وهي شائكة على عكس النقطة الثانية، ولا سيما أن عدد المدانين بالقتل ليس كبيراً، لكنه ملف فائق الحساسية، وليس من السهولة إطلاق إرهابيين تلطخت أيديهم بدماء شهداء الجيش اللبناني في نهر البارد وجرود عرسال وعبرا، أو ارتكبوا جرائم في حق المدنيين ونفذوا تفجيرات في أكثر من منطقة. لكن لبنان يصر على تنفيذ القوانين المرعية، فيما سوريا تستعجل إقفال الملف من دون الانتباه إلى مسار قانوني ستسلكه أي اتفاقية قضائية، سواء مع سوريا أو غيرها، لناحية موافقة مجلس النواب والتزام سلسلة خطوات قانونية قبل بدء سريان الاتفاقية.
ويبدو جلياً أن وزير العدل مصر على تنفيذ القوانين، علما أنه أعدّ أكثر من اقتراح في شأن الاتفاقية القضائية مع سوريا في ظل تراجع الجانب السوري عن الاتفاق المبدئي الذي ظهر خلال لقاء نصار نظيره السوري مظهر الويس.
كان الاعتقاد أن زيارة وزير العدل السوري لبيروت منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الفائت ولقاءه نائب رئيس الحكومة ونظيره اللبناني قد أفضت إلى اتفاق مبدئي على حل لقضية الموقوفين والسجناء السوريين في لبنان.
إلا أن ما اتفق عليه، ولو مبدئيا في بيروت، لم يكن كذلك في الاجتماع الأخير الذي جمع وفدين قضائيين في دمشق، حيث ظهر الاعتراض السوري على بعض بنود مسودة الاتفاقية القضائية، عدا عن أن الجانب السوري كان ينتظر تسليم السجناء خلال الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لسقوط النظام وتسلم المعارضة المسلحة الحكم في سوريا.
ربما دمشق ليست على دراية بأن الاتفاقية الثنائية تتطلب مساراً قانونياً ولا تكون بـ"كبسة زر" أو وفق مواعيد مسبقة، بغض النظر عن تزامن تلك المواعيد مع الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لتسلم المعارضة الحكومة بعد فرار بشار الأسد.
أما نقاط الخلاف التي عادت إلى الأخذ والرد، فتركز على تمسك لبنان بتطبيق القوانين السارية وعدم مخالفتها، فيما تريد سوريا تسلم جميع السجناء، أو بعبارة أوضح عدم الالتفات إلى الاستثناءات التي حددتها بيروت.
دمشق تضغط وبيروت تتريث
لم يكشف رسمياً بعد عن المطالب السورية المستجدة بعد التفاهم المبدئي في تشرين الأول، وخصوصا أن بودار الاتفاق بين الطرفين كانت واضحة. وعلى الرغم من عدم تظهير لبنان الجانب السلبي للقاء الأخير في دمشق، فهو كان قد رفض المطالبة السورية بفتح السجون اللبنانية وتخلية جميع الموقوفين من دون استثناء.
ذلك المطلب ينسف مسودة الاتفاقية القضائية وكل الاستثناءات التي وضعها الجانب اللبناني، وأبرزها عدم تخلية قتلة العسكريين والمدنيين ومن شارك في القتال ضد الجيش اللبناني، وتحديدا في البقاع، وكذلك عمد تسليم مرتكبي جرائم الاغتصاب.
ومعلوم أن قتلة المدنيين والعسكريين والذين كانت لهم يد في التفجيرات التي ضربت لبنان بين 2013 و2016، جلّهم من الجماعات الإرهابية كتنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" و"كتائب عبد الله عزام" وغيرها من الجماعات المسلحة. وبعض تلك الجماعات بات في السلطة في سوريا، ولا سيما "جبهة النصرة" التي بدلت اسمها إلى "هيئة تحرير الشام"، وقد تزعمها "أبو محمد الجولاني" الذي صار رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع.
أما ما أعلن في لبنان فكان أن هناك نقاشا في شأن بنود الاتفاقية وأن التعديلات والملاحظات التي وضعها الجانب السوري محط نقاش قانوني ليصار إلى صياغتها بما لا يتعارض مع القوانين اللبنانية ولا يسمح بتسليم القتلة ومرتكبي جرائم الاغتصاب.
والواقع أن الجانب السوري يتذرع بأن أعداداً من الموقوفين هم من السجناء السياسيين وأصحاب الرأي ضد النظام السابق، وأن سجنهم كان بسبب سيطرة أحزاب معينة في لبنان على مفاصل الحياة السياسية في البلاد، وتاليا لم يعد هناك مبرر للاستمرار في سجنهم، ويجب تسليمهم إلى دمشق، مع التذكير بأن لبنان ينفي أن يكون لديه سجناء رأي، علماً أن بيروت لم يسبق أن سجنت معارضين لدمشق.
نبض