توقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، اليوم الأحد، عند "الحدث التاريخي الذي عاشه لبنان قبل أيام قليلة، زيارة البابا لاوون الرابع عشر، الذي غادرنا قبل أربعة أيام فقط"، وأكد أن الزيارة "ستبقى محفورة في تاريخ بلدنا"، لافتاً الى أن البابا "دخل أرض لبنان حاملاً رسالة سلام ورجاء، صوتاً يذكّر العالم بأنّ لبنان ليس مجرّد مساحة جغرافية، بل رسالة، كما قال سلفه القديس يوحنا بولس الثاني".

وأضاف في عظة قداس الأحد في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي: "كانت كلمات البابا، في عظاته وخطاباته، دعوة واضحة إلى المصالحة، إلى إعادة بناء الثقة، إلى أن يعيش لبنان رسالته في التنوّع، وأن يصنع من جروحه جسراً للحوار".

واعتبر أن "الزيارة كانت ثمرَة رحمة، ونسيمَ سلامٍ على وطن متعب، ولم تكن حدثاً يمرّ، بل علامة على مستقبل يجب أن نصنعه، لأن الزيارات التاريخية قيمتها بما تخلّفه، لا بما مضى منها".

وتابع: "لذلك نقول، كما تلهمنا تعاليم قداسة البابا، إنّ السلام ثمرة الرحمة، وثمرة الرحمة المصالحة. فعندما يتجذّر فعل الرحمة في حياة الإنسان والمجتمع، تُشفى القلوب من الأحقاد، وتنفتح الطرق أمام اللقاء الصادق. وعندما تتحقّق المصالحة في الضمير، في البيت، في السياسة، وفي بنية الدولة عندها فقط يبدأ السلام أن يتجسّد واقعاً، لا مجرد أمنية".

عظة الأحد (المكتب الإعلامي).

وقال: "هذا ما حمله إلينا البابا في صوته الواضح: أن يتجاوز اللبنانيون منطق الانقسام، وأن يعودوا إلى روح الرحمة التي تبني، وتُصالح، وتُعيد الى وطنهم رسالته. فهنيئاً للبنان بهذه الزيارة التي تذكّرنا بأن مستقبل هذا الوطن يبدأ من قلب يتّسع بالرحمة، ويكبر بالمصالحة، ويثمر سلاماً للجميع".

وأشار الى أنه "بالعودة إلى إنجيل مولد يوحنّا، لبنان اليوم محتاج إلى هذه الرحمة، إلى رحمة تفهم حاجاته، وتداوي أزماته، وتعيد إليه وجهه الحقيقي. لكن الرحمة التي نحتاجها ليست رحمة الشفقة، بل الرحمة التي تغيّر وتبني، الرحمة التي قاد الله بها تاريخ الخلاص: رحمة قوية، فاعلة، متحرّكة. رحمةٌ تحوّل العقم السياسي إلى ولادة حلول، تحوّل بكم المؤسسات إلى كلمة حقّ، تحوّل صمت الدولة إلى مبادرة، تحوّل الانقسام إلى حوار، تحوّل اليأس إلى مشروع".

وشدد على أن "لبنان يحتاج إلى رحمة على مستوى السياسة كي تتحوّل السلطة إلى خدمة، والحكم إلى مسؤولية، والقرار إلى ضمير. على مستوى الاقتصاد كي تُفتح أبواب العمل، وتُنقذ العائلات من أثقال الأزمة. على مستوى المجتمع كي يبقى الإنسان في قلب الاهتمام، بكرامته، وقدرته، وحقوقه.

عظة الأحد (المكتب الإعلامي).

وعلى مستوى الشراكة الوطنية كي تعود الثقة بين مكوّنات الوطن، ويعود لبنان بلد العيش معاً، لا بلد الانغلاق والخوف. الرحمة ليست ضعفاً في السياسة، بل هي قوّة تصنع التغيير. فالله لم يرسل يوحنا لأنه بحاجة إلى نبي، بل لأن الناس بحاجة إلى صوت يعيد إليهم الرجاء".

ولفت إلى أن "اسم المرحلة رحمة، واسم الحكم خدمة، واسم السياسة ضمير، واسم الدولة كرامة الإنسان. نحن بحاجة إلى رحمة تترجم بـمسؤولية صادقة، احترام القانون، حماية الضعيف، دعم المؤسسات، خلق فرص للمستقبل، ورؤية لا ردّات فعل"، قائلاً: "العالم كلّه اليوم يبحث عن رحمة، لكن لبنان أكثر من يحتاج إليها، لأن الرحمة وحدها تغيّر المسار وتفتح الطريق. تماماً كما فتح الله طريق الخلاص بولادة يوحنا، يمكن لرحمتنا السياسية والاجتماعية أن تفتح طريق القيامة الوطنية".

عظة الأحد (المكتب الإعلامي).

عظة الأحد (المكتب الإعلامي).