أيّاً تكن المبررات للتمايز بين لبنان وسوريا من حيث التغييرات الجذرية التي حصلت في كل منهما منذ سنة تقريباً مع اتفاق وافق عليه "حزب الله" لنزع سلاحه من دون ان يلتزمه في الوقت الذي ادى انهيارا حكم بشار الاسد الى وصول احمد الشرع الى السلطة في سوريا، يصعب عدم المقارنة بين كل من المسار اللبناني والمسار السوري.

هذه المقارنة سبق الموفد الاميركي توم براك الجميع الى ابرازها على خلفية التزام الحاكم الجديد في سوريا تنفيذ خطوات فتحت له ابواب العالم واهمها أبواب الولايات المتحدة في نيويورك في ايلول الماضي ثم في البيت الابيض في واشنطن حتى قبل مرور سنة على سيطرته على السلطة، فيما ان لبنان الذي لم يقطع علاقاته مع واشنطن حتى في أسوأ ايامه، لم يجد طريقه بعد في ظل خشية كبيرة لدى مصادر ديبلوماسية من ان تعاظم الاهتمام الاميركي والاقليمي بسوريا من شأنه ان يؤدي او يساهم في تهميش لبنان وعدم ايلائه الاهمية التي يستحق للخروج من ازمته.

رجل يقف تحت شبكة من الكابلات الكهربائية المتشابكة الممتدة بين المباني المتضررة في منطقة عين ترما، على المشارف الشرقية للعاصمة دمشق (أ ف ب)

هذه المصادر تقول انها سبق انها حذرت لبنان في الاشهر الاولى من السنة الى ضرورة التقاط الفرصة المتاحة وانجاز ما التزمه في اتفاق وقف الاعمال العدائية وضمان حصرية السلاح قبل الانتهاء من حرب غزة التي كان التوصل الى اتفاق في شأن انهائها يتعثر وقبل ان تنطلق سوريا في مسار تعافيها حتى لو ان طريقها الى ذلك طويل جدا، لان من شأن هذين الملفين ان يسرقا كل الاهتمام والرعاية التي يحتاجهما لبنان بعد حرب اسناد غزة.

في لحظات التغيير المفصلية لا سيما بعد حروب منهكة ومدمرة يمكن ان تضع اي سلطة قواعد جديدة تنطلق منها على نحو يبرر خطواتها واجراءاتها اكثر من اي وقت اخر. وبالنسبة الى مراقبين ديبلوماسيين فان السلطة الجديدة في سوريا وظفت ذلك بقوة وعلى نحو سريع انقاذا لنفسها وتثبيتا لسلطتها قبل اي امر اخر على مستويين شخصي وعام.

اذ احرز الشرع الذي كان لفترة طويلة واحداً من أبرز الوجوه الجهادية في سوريا، نجاحاً في تقديم نفسه كزعيم معتدل وقادر على الانتقال من العمل العسكري إلى القيادة السياسية.

فيما اظهر استعدادات عملانية لنسف القواعد التي انطلق منها في الاساس ومتبنيا مسارا سياسيا بعيدا من المحور الذي بنته وارتكزت اليه سوريا على مدى عقود واعادت توجيه سوريا في اتجاه تاريخي مناهض لتاريخها السابق بالانخراط مع حلفاء اقليميين قدموا الدعم القوي لانتقال سوريا بعيدا من محور ايران وروسيا وفتح الابواب امام انخراط اكبر مع الولايات المتحدة من شأنه ان يساهم لوحده في تغيير قواعد اللعبة كليا بالنسبة الى دمشق ان بالنسبة الى مساعدة هذا المسار في دعمه داخليا او في مواجهة اسرائيل التي اظهرت عدائيتها بعد تسلم الشرع السلطة ولاحقا في دعمها نشقاق السويداء الدرزية عن سلطة دمشق. يستعين بعض من هؤلاء بما ذكره سفير لبنان السابق في سوريا روبرت فورد عن وصول الشرع من اجل تبديد الاندهاش للمسار التصاعدي للشرع من جهة وتبرير الانفتاح الاميركي.

اذ ان فورد الذي كان اخر سفير لسوريا قبل اندلاع الثورة السورية كشف " أن المجتمع الدولي لعب دوراً محورياً في تمكين هيئة تحرير الشام، بقيادة أحمد الشرع المعروف سابقًا بـ "أبو محمد الجولاني"  من الوصول إلى السلطة في دمشق ".

وقال خلال محاضرة ألقاها في مجلس العلاقات الخارجية في بالتيمور بولاية ميريلاند الأميركية، في 5 أيارالماضي " إن الهيئة خضعت لتدريبات سياسية واستراتيجية مكثفة أشرف عليها خبراء وسفراء وضباط استخبارات من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في إطار جهود متعددة الجنسيات لإيجاد بديل قابل للحكم بعد فشل محاولات الوصول إلى تسوية مع نظام بشار الأسد".

واكد فورد أنه التقى الشرع عدة مرات بين عامي 2023 و2025، مرتين خلال تدريبه في إدلب، ومرة ثالثة استمرت لعشرة أيام في القصر الرئاسي بدمشق في كانون الثاني 2025، بعد دخول الهيئة إلى العاصمة وسط تفاهمات غير معلنة، موضحا أن اختيار “تحرير الشام” لم يكن عشوائياً، بل جاء نتيجة كونها “الأكثر تنظيماً بين فصائل المعارضة المسلحة”، مشيراً إلى أن التدريبات لم تقتصر على الجوانب السياسية فقط، بل شملت أيضاً فهم التوازنات الإقليمية، والتعامل مع القوى الدولية، والإدارة المدنية ".

هذا يساهم في فهم دينامية الامور بالنسبة الى سوريا من دون اوهام ، فيما ان الشرع لم يظهر ترددا يذكر في تلبية مطالب واشنطن في اللقاء الذي عقده مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب في الرياض بدعم قوي من ولي العهد محمد بن سلمان في ايار الماضي ، حتى لو ان تنفيذ هذه المطالب لم يكن مثاليا ، ولكن عدم تردد واقدامه على ذلك هو ما فتح ابواب البيت الابيض للقاء جديد مع الرئيس الاميركي، حتى لو لا يعني ذاك انتهاء مشاكل سوريا او ازالتها او ضمان مسار حكم الشرع بسلام فيما يبقى الطريق الى تعافي سوريا طويلا وشائكا في الوقت نفسه .


rosannabm @hotmail.com