موريس الجميّل رسم لبنان الذي لم يُبنَ بعد

سياسة 31-10-2025 | 14:17

موريس الجميّل رسم لبنان الذي لم يُبنَ بعد

كان موريس الجميل سابقاً لعصره حين تحدّث عن إدارة الموارد، والطاقة النظيفة، والعدالة في توزيع الخدمات.
موريس الجميّل رسم لبنان الذي لم يُبنَ بعد
موريس الجميل. (النهار)
Smaller Bigger

روي أبو زيد

 

 

تسلّط "النهار" الضوء على إرث النائب والمفكّر موريس الجميّل ورؤيته في الذكرى السنوية لتاريخ ميلاده، في الثلاثين من تشرين الأول.

يُعدّ النائب والوزير اللبناني الراحل موريس الجميّل من أبرز الشخصيات التي وضعت رؤى إصلاحية تُعنى بمستقبل لبنان، هو الذي قال عنه: "أن يكون لبنان عالميّاً أو لا يكون". 

 

رسم بخطوطٍ واضحة ثلاث ركائز أساسية لبناء لبنان: الإنسان، المياه والكهرباء. ومن ضمن رؤيته، كانت فكرة جعل لبنان "قلعة المياه" ورفع مخزون المياه وتخزينها واستثمارها لتوليد الطاقة، وتحريك الزراعة والصناعة.
ففي تاريخ لبنان الحديث، قلّما اجتمع الفكر والإصلاح العملي في شخصٍ كما اجتمعا في موريس الجميّل، الرجل الذي آمن بأنّ نهضة الوطن لا تُبنى بالخطابات بل بالمشاريع الملموسة التي تغيّر حياة المواطنين نحو الأفضل. كان سياسيّا ومربّيا ومفكّرا تنموياً، أدرك منذ منتصف القرن العشرين أن قوّة الدولة لا تُقاس بشعاراتها بل بخططها العلمية لإدارة مواردها، فخاض معركة التنمية من بابَي الماء والكهرباء، معتبرا أنهما الأساس لأيّ إصلاح اقتصادي أو اجتماعي.

 

موريس الجميل. (النهار)
موريس الجميل. (النهار)

 

رؤية تنموية شاملة
في زمنٍ كانت القرى اللبنانية تعاني شحّ المياه وغياب التخطيط، أدرك أنّ الماء جوهر البقاء والاستقرار. لذا، أطلق سلسلة من المشاريع الإنمائية الطموحة بهدف تأمين المياه للزراعة والريّ والشرب، وتحويل الثروة المائية من نعمة مهدورة إلى مورد وطني منظم. وعمل الجميّل على وضع خرائط مائية شاملة لمناطق جبل لبنان والبقاع، ودعا إلى إنشاء شبكات تجميع للمياه الجوفية ومياه الينابيع، تُنقل عبر قنوات وسدود صغيرة لتغذية الأراضي الزراعية. كما طالب بإنشاء خزّانات جبلية استراتيجية تُستعمل خلال مواسم الجفاف، معتبرا أن كل قطرة ماء تُهدر، خسارة وطنية.

 

 

ومن أبرز أفكاره التي سبق بها عصره، الدعوة إلى ربط التنمية المائية بالتنمية الريفية. فكان يرى أنّ القرى لا يمكن أن تزدهر من دون مشاريع ريّ منظّمة، وأنّ الزراعة الحديثة تحتاج إلى إدارة علمية للموارد.

 

وفي هذا السياق، يشير حفيده أمين اسكندر في حديث إلى "النهار"، إلى أنّ "رؤيته قضت بِرَفع مخزون المياه في لبنان من نحو 20 مليون متر مكعب إلى نحو 850 مليون متر مكعب. واليوم، بعد مرور خمسة وسبعين عاما على طرح مشاريعه، تمكنّا من إعداد سدٍّ يُخزّن نحو ثمانية ملايين متر مكعب، أي أقل من واحد في المئة من مشروعه".

الكهرباء: المساواة بين المناطق
إلى جانب اهتمامه بالمياه، وضع الجميّل تصوّرا شاملاً لمدّ الطاقة الكهربائية إلى القرى النائية وربطها بشبكة وطنية موحّدة. ويلفت اسكندر إلى أنّ "جدّه رسم خرائط عدّة ونفّذ دراسات مختلفة تهدف إلى إنشاء محطات توليد صغيرة على الأنهار اللبنانية، فتستفيد من تدفّق المياه لتوليد طاقة نظيفة، في وقتٍ لم يكن مفهوم الطاقة المستدامة قد وُلد بعد"، مضيفا أنّه دعم فكرة الطاقة اللامركزية، بحيث تمتلك كل منطقة إمكان توليد الكهرباء محليا بدل الاعتماد الكامل على العاصمة".

 

وأضاف: "كان يؤمن بأنّ الكهرباء قادرة على تحفيز الاقتصاد المحلي، لأنها تفتح أمام الصناعات الحرفية والزراعية آفاقًا جديدة، وتحدّ من الهجرة الداخلية نحو بيروت".

رؤية إصلاحية لبناء الدولة الحديثة
لم تكن مشاريع الجميّل منفصلة عن رؤيته السياسية الشاملة. فقد كان يعتبر أنّ الإدارة الرشيدة للماء والكهرباء هي معيار نجاح الدولة، كما دعا إلى إنشاء مؤسسات متخصّصة ذات كفاءة علمية، مستقلة عن النفوذ السياسي، تعمل وفق خطط وطنية طويلة الأمد.

 

ويوضح اسكندر أنّ جدّه "ربط بين التنمية والبُعد الاجتماعي، إذ رأى في مشاريع الماء والكهرباء وسيلة لإحقاق عدالة مناطقية، تضمن لكل لبناني حقّه في الخدمات الأساسية أينما وُجد"، مضيفا أنّه "كان ينادي بلبنان المتوازن: وطن تتساوى فيه بيروت والبقاع، الجبل والساحل، في فرص الحياة والازدهار".

رؤية لا تموت
بعد عقود على رحيله، ما زالت أفكار موريس الجميل تكتسب راهنيتها، إذ تُعدّ رؤيته المائية والكهربائية من الركائز الفكرية الأولى للتنمية المستدامة في لبنان. كان سابقًا لعصره حين تحدّث عن إدارة الموارد، والطاقة النظيفة، والعدالة في توزيع الخدمات. واليوم، في ظلّ الأزمات التي يعيشها لبنان، يبدو فكره كأنه نداءٌ من الماضي يدعو للعودة إلى التخطيط، والعلم، والمسؤولية.

 

لقد ترك بصمة المصلح الذي لم يكتفِ بالنقد، بل طرح البدائل، وناضل من أجل أن يكون لبنان بلدا حديثا، متجذرا في قيمه، ومتقدّما في فكره ومشاريعه.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

ثقافة 10/30/2025 10:50:00 PM
بعد صراع طويل مع المرض...
صحة وعلوم 10/29/2025 2:06:00 PM
أنقذ الطبيب اللبناني الدكتور محمد بيضون طفلاً من الموت بجراحة غير مسبوقة أعاد فيها وصل رأسه بجسمه، بعدما كان الأمل مفقوداً في نجاته.
مجتمع 10/30/2025 3:01:00 PM
فتحت القوى الأمنية تحقيقاً في الحادثة للوقوف على ملابسات جريمة الطعن