"تغريبة" القرى اللبنانية في حوض العاصي: عام مأزوم بين لغم الحدود وصمت الدولة

مجتمع 15-12-2025 | 15:43

"تغريبة" القرى اللبنانية في حوض العاصي: عام مأزوم بين لغم الحدود وصمت الدولة

لايزال هؤلاء يدفعون "فاتورة قسوة" جديدة ومستمرة. ففي غضون أيام من انهيار النظام، شهدت قراهم حالة من الضياع والتشتت انتهت بنزوح كامل
"تغريبة" القرى اللبنانية في حوض العاصي: عام مأزوم بين لغم الحدود وصمت الدولة
منازل مهجورة في إحدى القرى الحدودية. (لينا إسماعيل- أرشيف)
Smaller Bigger

على مسافة خطوات من حيث يُطالب لبنان بترسيم حدوده البرية مع سوريا، تتكشف مأساة إنسانية وقانونية معقدة تطاول قرابة 40 ألف لبناني من أهالي قرى حوض العاصي.

 

هذه القرى ورثها أهلها منذ العهد العثماني، قبل نحو 104 أعوام، إلى أن جاء مبضع الانتداب الفرنسي عام 1934 فاقتطع 33 قرية لبنانية وضمّها إلى سوريا، من دون أن يأخذ في الاعتبار منطق الجغرافيا أو طبيعة السكّان.  ورغم ذلك، استمر سكّانها في التمسك بهويتهم اللبنانية وعقاراتهم، وكأنّ الحدود لم تُرسّم يوماً.

 

(قرى جار عليها الزمن. (لينا إسماعيل-أرشيف
(قرى جار عليها الزمن. (لينا إسماعيل-أرشيف

 

اليوم، وبعد مرور أكثر من عام على سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول ديسمبر 2024، لايزال هؤلاء يدفعون "فاتورة قسوة" جديدة ومستمرة. ففي غضون أيام من انهيار النظام، شهدت قراهم حالة من الضياع والتشتت انتهت بنزوح كامل لسكانها الشيعة، تاركين خلفهم ممتلكاتهم وحياتهم ليصبحوا مُشرّدين في وطنهم الأم، لبنان، حيث يعيشون في تشرّد قاسٍ تحت وطأة ظروف إنسانية مأسوية.

 

قرى بلا سكان.
قرى بلا سكان.

 

يُقدّر عدد هذه العائلات بحوالى 4500 بينها 250 عائلة سورية من جديدة يابوس، و250 عائلة أخرى من داخل دمشق. العدد الأكبر منهم استقر في بلدات قضاء الهرمل، فيما توزّع البعض الآخر ما بين ضواحي بيروت ومناطق مختلفة من البقاع.

 

مأزق الهوية والأرض: أين القانون من الجغرافيا؟
تكمن المفارقة في أن مصير هؤلاء الأهالي وأملاكهم يبقى معلقاً في الوقت الذي تسعى فيه الدولة اللبنانية الى ترسيم الحدود. هم يمتلكون وثائق عقارية موثقة في السجلات السورية (في حمص) يعود أقدمها إلى عام 1896، تليها تواريخ بارزة هي 1939 و1953 و1944. ما يثبت حقهم التاريخي في الملكية.

 

متى العودة؟
متى العودة؟

 

يلفت الأهالي، كما عبر المواطن ع. ن. من بلدة زيتا لـ"النهار"، الى لبنانيتهم: "نحمل الهوية اللبنانية... لكننا لم نشعر يوماً بوجود الدولة اللبنانية". هذا التمسك بالحقوق التاريخية في أرضهم اللبنانية، رغم وجودهم في الجغرافيا السورية، يمثل حجر الزاوية في أمل عودتهم إلى ممتلكاتهم التي تعرضت بالفعل لعمليات استغلال وتغيير في الملكية هذا العام.

 

في انتظار لفتة من الدولة اللبنانية.
في انتظار لفتة من الدولة اللبنانية.

 

إنّ التحدي القانوني الآن يتطلب من السلطات اللبنانية "السعي الحثيث" الى حماية هذا الحق من ضمن القوانين السارية دولياً ومحلياً، والعمل على تعديل السجلات العقارية بالتنسيق مع سوريا، خصوصاً أنّ السجلات العقارية الرسمية السورية ذاتها تؤكد ملكية اللبنانيين لهذه الأراضي.

كارثة إنسانية و"إهمال كامل" مستدام
يختصر الأهالي المهجرون لـ"النهار" وصف حالهم بأنهم في "دولة غائبة وكرامات مستباحة"، مؤكدين أن معاناتهم فاقمها "الإهمال الكامل" من الدولة اللبنانية طوال هذا العام.

 

 هذا الإهمال، الذي يعتبرونه "بقرار رسمي وطائفي"، أدى إلى تشريد أعداد كبيرة منهم في بلدات الهرمل والبقاع، يعيشون في وضع إنساني "قاسٍ"، يفتقرون فيه إلى المأكل والمأوى والطبابة وفرص العمل، لقد "نفد صبرهم" وهم يطالبون بإنهاء هذه "التغريبة".

 

هؤلاء المهجرون يعيشون صعوبة الحاجة، حيث "يقتات بعض العائلات من النفايات، وتسكن الخيام، وأطفالها ليسوا في المدارس".

 

تشرد قاس: معاناة مالية وصحية 
 الدعم الموعود والمحدود: علمت "النهار" أن هؤلاء أهالي القرى اللبنانيون سيحصلون من وزارة الشؤون الاجتماعية من خلال برنامج " أمان"  على مساعدة بقيمة $150 أميركي لكل عائلة مع بداية العام 2026، وهي مبادرة تأتي بعد عام من بداية الأزمة، وتفتقر إلى "الفاعلية اللازمة لتحقيق تأثير إنساني حقيقي". كما أن المساعدات المقدمة من بعض الأطراف، مثل "حزب الله"، توصف بأنها "إيوائية لا تفي بالحاجة".

 

لغم العودة: مسؤولية الدولة اللبنانية الفورية
في خضم هذا المشهد المأسوي، يُطرح السؤال الكبير: هل ستترك الدولة اللبنانية هذه الحالات لمصيرها بعد عام من التشريد؟

 

تناشد العائلات المشردة دولتها "فتح باب" للتفاوض مع النظام السوري الجديد بشأن وضع هؤلاء السكان، خصوصاً مع فتحها أبواباً في ملفات أخرى.

 

إن إجراء محادثات ديبلوماسية مع الحكومة السورية الجديدة في هذا الصدد، يشكل بالنسبة إليهم، خطوة جوهرية يجب أن تتخذها بيروت، من أجل أن تضطلع بمسؤولياتها في حماية مواطنيها وممتلكاتهم التي تعرضت للنهب والسيطرة من آخرين.


هل ستعمل الدولة السورية على إعادتهم وحماية ممتلكاتهم فعلاً؟ هذا يبقى مرهوناً بمدى التزام السلطة الجديدة حماية الملكيات، ومدى استعداد بيروت لاتخاذ خطوات ديبلوماسية حاسمة لإنهاء "التغريبة" التي يعيشها مواطنوها منذ عام.

الأكثر قراءة

دوليات 12/14/2025 3:19:00 PM
تحوّل صاحب متجر الفواكه أحمد الأحمد إلى "بطل بوندي" بعدما انتزع سلاح أحد المسلحين خلال هجوم على احتفال الحانوكا في شاطئ بوندي بسيدني، منقذًا عشرات الأرواح قبل أن يُصاب ويُنقل إلى المستشفى.
دوليات 12/15/2025 1:50:00 PM
يقضي الأطفال ووالدتهم معظم وقتهم في التسوق، ويملأون منزلهم الروسي الجديد بالسلع الفاخرة، بحسب مصدر قريب من العائلة.
دوليات 12/15/2025 2:38:00 PM
تحدّثت تقارير عن صلة محتملة لإيران واستخباراتها بهجوم سيدني.
العالم 12/14/2025 11:00:00 PM
الأب لقي حتفه بينما يرقد الابن في المستشفى.