هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب باتخاذ إجراءات عسكرية محتملة ضد نيجيريا، وحذر من وقف المساعدات، متّهماً الحكومة بالفشل في حماية المسيحيين، مع ترويج حلفاء سياسيين له لادعاءات بـ"تعرض المسيحيين لقتل جماعي".

وفي التفاصيل، قال ترامب إنه طلب من وزارة الدفاع التأهب لأي تدخل عسكري محتمل في نيجيريا إذا "واصلت" حكومة نيجيريا "السماح بقتل المسيحيين". وأضاف في منشور على منصة "تروث سوشيال" أن الحكومة الأميركية ستوقف على الفور كل المساعدات والمعونات المقدمة إلى نيجيريا. وحذر: "إذا هاجمنا، فسيكون الهجوم سريعاً وشرساً وحاسماً، تماماً مثل هجمات الإرهابيين على مسيحيينا الأعزاء".
ورد وزير الدفاع بيت هيغسيث لاحقاً على المنشور بقوله: "نعم سيدي... وزارة الحرب تستعد لاتخاذ إجراءات".

جاءت هذه التصريحات بعد يوم من إعلان ترامب أنه سيصنف نيجيريا كدولة ذات اهتمام خاص، وهو تصنيف تمنحه الحكومة الأميركية للدول "التي ترتكب انتهاكات جسيمة للحرية الدينية". وقد أشار إلى أن "المسيحية تواجه تهديداً وجودياً في نيجيريا".

في المقابل، نفت نيجيريا هذه الاتهامات، وقال رئيسها بولا أحمد تينوبو إن وصف نيجيريا بأنها "متعصبة دينياً لا يعكس واقعنا الوطني، ولا يأخذ في الاعتبار الجهود المتسقة والصادقة التي تبذلها الحكومة لحماية حرية الدين والمعتقد لجميع النيجيريين".

بحسب قناة "فوكس نيوز" الأميركية، بلغ اضطهاد المسيحيين في نيجيريا مستويات خطيرة، فيما قالت إن مسلحين إسلاميين أحرقوا قرى، وذبحوا المصلين، وشردوا الآلاف في المناطق الشمالية والوسطى.

وأفادت بأن مهاجمين غزوا في حزيران/ يونيو قرية أسقف بعد أيام من شهادته أمام الكونغرس، ما أسفر عن مقتل أكثر من عشرين شخصاً. وأسفرت هجمات أخرى في ولايتي بلاتو وبينوي عن مقتل المئات، ووصف الناجون المسلحين وهم يهتفون "الله أكبر" أثناء حرقهم الكنائس والمنازل.

ونقلت القناة عن منظمة الرقابة الدولية "أوبن دورز" قولها إن ما يقرب من 70% من المسيحيين الذين قُتلوا بسبب عقيدتهم العام الماضي كانوا في نيجيريا. وتقدر جماعات حقوق الإنسان أن 4000 إلى 8000 مسيحي يُقتلون سنوياً.

وحثّ مارك ووكر، سفير ترامب المعين للحرية الدينية الدولية، الولايات المتحدة على ممارسة ضغوط أقوى على حكومة نيجيريا، واصفاً العنف بأنه أزمة إنسانية. 

منشور ترامب مدعوم يمينياً

تعرض تينوبو هذا العام لضغوط بسبب تزايد التمرد الإسلامي في شمال شرق نيجيريا، بما في ذلك هجمات على عشرات القواعد العسكرية المحصنة.

كذلك، استغل كبار الشخصيات في حركة ترامب "ماغا" في الأشهر الأخيرة الهجمات ضد المسيحيين من قبل المتمردين الإسلاميين في نيجيريا، حيث ادعى البعض أن عمليات القتل المستهدفة تشكل "إبادة جماعية". وادعى السناتور تيد كروز من ولاية تكساس، وهو حليف لترامب، الشهر الماضي، أن الحكومة النيجيرية قد تكون متواطئة في العنف. وقال كروز: "يتجاهل المسؤولون في نيجيريا وحتى يسهلون القتل الجماعي للمسيحيين على يد الجهاديين الإسلاميين".

وقد جاء تعليق ترامب بعد أسابيع من حث تيد كروز الكونغرس على تصنيف نيجيريا كدولة تنتهك الحرية الدينية، وتقديم مشروع قانون لمحاسبة المسؤولين النيجيريين "الذين يسهلون العنف الجهادي الإسلامي وفرض قوانين التجديف".

ترامب (ا ف ب)

في نيجيريا...
نيجيريا بلد متنوع ومتعدد الأعراق منقسم بين الشمال ذي الأغلبية المسلمة والجنوب ذي الأغلبية المسيحية. وينقسم سكانها بالتساوي تقريباً بين المسيحيين والمسلمين. 
تعاني أجزاء من البلاد منذ فترة طويلة العنف على يد الجماعات المتطرفة، بما في ذلك جماعة "بوكو حرام"، وهي جماعة إرهابية إسلامية هاجمت المسيحيين والمسلمين الذين لا تعتبرهم متدينين بما فيه الكفاية.

وللهجمات دوافع مختلفة، هناك هجمات ذات دوافع دينية تستهدف المسيحيين والمسلمين على حد سواء، واشتباكات بين المزارعين والرعاة بسبب تضاؤل الموارد، ومنافسات طائفية، وجماعات انفصالية، واشتباكات عرقية.

وقعت معظم أعمال العنف في الشمال الشرقي من البلاد، حيث هاجمت "بوكو حرام" المتطرفة بانتظام الكنائس واختطفت الأطفال لأكثر من عقد من الزمان كجزء من حملتها لبناء دولة إسلامية من خلال العنف. في الجنوب الغربي، تمثلت أعمال العنف في الغالب في عمليات اختطاف مقابل فدية وصراعات بين المزارعين والرعاة.

وبالفعل، وقع كل من المسيحيين والمسلمين ضحايا لهجمات الإسلاميين المتطرفين. وبرغم من أن المسيحيين من بين المستهدفين، تشير التقارير المحلية إلى أن معظم الضحايا هم من المسلمين الذين يعيشون في شمال نيجيريا ذي الأغلبية المسلمة.

ورداً على منشور على وسائل التواصل الاجتماعي من وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو يدين فيه "ذبح الآلاف من المسيحيين"، وصف السكرتير الصحافي لرئيس نيجيريا بايو أونانوغا هذا الوصف بأنه "مبالغة فادحة في تقدير الوضع النيجيري"، مضيفاً أن "المسيحيين والمسلمين والكنائس والمساجد يتعرضون لهجمات عشوائية".
وأكد أونانوغا أن "ما تطلبه نيجيريا من الولايات المتحدة هو الدعم العسكري لمحاربة هؤلاء المتطرفين العنيفين في بعض ولايات بلادنا، وليس تصنيفها كدولة ذات اهتمام خاص".

تهديد ترامب يواجه تحديات
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، يواجه تهديد ترامب بالقيام بعمل عسكري تحديات كبيرة. فقد سحبت الولايات المتحدة قواتها العام الماضي من النيجر، شمال نيجيريا، ومن المرجح أن تستهدف الغارات الجوية مجموعات صغيرة منتشرة في منطقة واسعة. ويقول محللون إن أي عمل عسكري فعال ضد هذه الجماعات سيتطلب على الأرجح مساعدة من الجيش والحكومة النيجيريين، اللذين هدد ترامب أيضاً بقطع المساعدة عنهما.

وقد سبق أن استهدف ترامب الأعمال الإغاثية الأميركية في جميع أنحاء العالم، حيث عمل على تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي لطالما كانت محورية في توزيع المساعدات الخارجية، وكانت نيجيريا مستفيدة رئيسية من التمويل الصحي العالمي للولايات المتحدة، حيث تعتمد عليه في حوالي 21% من موازنتها الصحية الوطنية.

توضح أزمة نيجيريا تعقيد الصراعات الدينية والسياسية، وتلقي الضوء على المخاطر الإنسانية الحقيقية، في وقت يواجه فيه التدخل الخارجي وتهديدات العقوبات تحديات كبيرة.