"ما من دولتين تملكان كلتاهما (مطاعم) ماكدونالدز خاضتا على الإطلاق حرباً ضد بعضهما البعض".

في التسعينات، انتشرت عبارات جذابة عن نهاية الصراعات البشرية بعد انتصار الليبرالية. قد تكون "نهاية التاريخ" أشهرها، لكن "نظرية ماكدونالدز" للكاتب في "نيويورك تايمز" توماس فريدمان نالت نصيبها من الشهرة أيضاً.

لا تزال "نظرية" سلسلة المطاعم الشهيرة تطلق أصداءها، لأنه وللمفارقة، كانت فروع "ماكدونالدز" حاضرة في روسيا وأوكرانيا قبل اندلاع الحرب. وكذلك، كانت حاضرة في روسيا وجورجيا قبل غزو 2008.

إصرارٌ على المستحيل

يمكن الشعور بحزن الرئيس دونالد ترامب لدى حديثه عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا لأنه عاجز عن وقفها. هناك، تخضع حوافزه، أو ما يعتقد أنها حوافز، كالوعود بالاستثمارات والتجارة، لتجاهل شبه تام. تخوض روسيا حرباً لاسترجاع ما تراه "أرضاً تاريخية"، فيما تخوض أوكرانيا حرباً وجودية لتأكيد استقلالها. من هنا، تحتل الاستثمارات مرتبة ثانوية بالنسبة إلى الدولتين. كذلك، من إيران إلى آسيان، تتأكد محدودية نظرة ترامب إلى أسباب الصراعات بشكل عام.

(أ ب)

خصص الرئيس الأميركي وقتاً كبيراً في حملاته الانتخابية السابقة لمهاجمة "المحافظين الجدد"، لأنهم أهدروا المليارات على الحروب و"بناء الأمم". لكن "المحافظين الجدد" – أي للتبسيط أولئك الذين خدموا في إدارة بوش الابن، علماً أن تيارهم يعود إلى الثلاثينات – ناصروا فكرة ترامب نفسها تقريباً: ينبغي على الازدهار الاقتصادي أن يمنع الحروب. كانت الديكتاتوريات والأنظمة المتطرفة تقف في وجه الازدهار، وبالتالي، في وجه السلام.

عملياً، لا يختلف ترامب عن "المحافظين الجدد" إلا في نزعته الأقل ميلاً لنشر الديموقراطية بالقوة. لكن حتى هنا، ثمة ضرورة كبيرة للتمهل. لو كان ترامب رئيساً سنة 2001 لكان شن على الأرجح حربين مماثلتين وأقرنهما بـ "بناء الأمم". أما التفصيل البارز الآخر فهو أن فكرة نشر الازدهار الاقتصادي كوسيلة لنشر السلام ليست جديدة. قبل أكثر من قرن، كتب المفكر البريطاني نورمان أنجيل أن الاندماج الاقتصادي جعل الحرب قديمة وأن المنتصرين فيها سيخسرون أكثر مما يكسبون. كان ذلك سنة 1909، بالتالي، بإمكان المرء تخيل مدى صمود هذا التحليل. 

مع ذلك، لا يمكن لوم أنجيل على الإخفاق. كانت حياة البريطانيين قد تغيرت إلى حد يفوق التصور في العقود القليلة التي سبقت كتابه. في أواخر النصف الأول من القرن التاسع عشر، عاش الأولاد البريطانيون في عالم تنيره الشموع وتقوده عربات الأحصنة، لكنهم شاخوا في دولة تسيّر القطارات وترسل البرقيات وتنيرها الأضواء الكهربائية. يترك هذا التحول تفاؤلاً مفرطاً بالمستقبل لدى المفكرين. يمكن قول الأمر نفسه تقريباً عن التحول السياسي الكبير الذي شهدته أميركا في التسعينات والذي ترك فريدمان يطلق، مع بعض الحذر، نظرية "ماكدونالدز".

احتمالان لا ثالث لهما

يعيد ترامب ارتكاب الخطأ نفسه بتوقع أن يكون للفرص الاقتصادية دور في إسكات نيران المدافع وطنين المسيّرات. الفرق أن التاريخ منح ترامب القدرة على تجنب هذه التكهنات. بالمناسبة، وفي المقال نفسه سنة 1996، أبدى فريدمان تخوفاً من اشتعال الحروب بين الهند وباكستان لأن الأخيرة لم تكن قد احتضنت بعد سلسلة المطاعم الشهيرة. غنيّ عن القول إن الأمور ساءت منذ تأسيس فروع لها هناك. إذاً، الخلاصة واحدة:

إما أن السلام ينفر من الوجبات السريعة، أو أن فكرة استناده دوماً إلى الفرص التجارية مبالغ بها.