ما "خفي" من الاستراتيجية الأميركية أعظم
"دُشّ بارد".
هذا كان وقْع استراتيجية الأمن القومي الأميركي على الأوروبيين، بحسب توصيف الكاتب دوغ ستوك، والذي أضاف: "الفيلق الأميركي... يغلق أبواب حصنه الخاص".
"يا ليت!"
قد يردّ الأوروبيون. فالاستراتيجية يمكن أن تخفي ما هو "أسوأ".
"إنها نظرية أكوان ترامب المتعددة. يصدف أننا نعيش في أسوئها".
هذه الجملة التي قالها الممثل الكوميدي جيمس أوستن جونسون وهو يؤدي دور الرئيس الأميركي دونالد ترامب في برنامج "ساترداي نايت لايف" تنطبق بشدة على ما تعيشه أوروبا.
فبعد عاصفة استراتيجية الأمن القومي التي نشرها البيت الأبيض الأسبوع الماضي، يبدو أن النسخة التي "لم تُنشر" من تلك الاستراتيجية ترسم طيفاً أخطر على بروكسل.
فيلقٌ مزاجيّ
بحسب موقع "ديفنس نيوز" الذي قال إنه اطلع على النسخة غير المنشورة، لا تتوقف الاستراتيجية عند انتقاد أوروبا بسبب عدم تمكنها من تعبئة مواردها و"قمعها" للمعارضة السياسية و"تشجيعها" للحروب وتعريض نفسها لـ"انمحاء حضاري" بسبب سياسة الهجرة. مع العلم أنه وفي موضوع الهجرة، يرى رئيس قسم اللاهوت والفلسفة في جامعة نوتينغهام البريطانية جون ميلبانك أن الولايات المتحدة ستصبح بغالبية غير بيضاء، قبل أوروبا.
وتقترح النسخة غير المنشورة أن تعمل الولايات المتحدة مع الدول الأوروبية التي تشبهها مثل إيطاليا وبولندا والنمسا والمجر "بهدف سحبها بعيداً من (الاتحاد الأوروبي)". وأضافت: "يجب أن ندعم الأحزاب والتيارات والشخصيات الفكرية والثقافية التي تسعى إلى السيادة والحفاظ/استعادة أساليب الحياة الأوروبية التقليدية... مع البقاء موالية لأميركا".
إذاً، يقفلُ الفيلق الأميركي أبواب حصنه أمام أوروبا. لكن أوروبا لا تملك حصناً كي تقفله بوجه تدخل الفيلق الأميركي. إنها فعلاً "أسوأ العوالم الممكنة" بالنسبة إلى أوروبا.
هدايا ميلادية
إذاً، لا تكتفي الولايات المتحدة بالإعراب عن استيائها من الاتحاد الأوروبي بل تنتقل إلى العمل النشط على إعادة قولبته، وإلا فعلى تفكيكه. وهذه هدية ميلادية مبكرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. والهدية الأخرى جميلة أيضاً.
ففي إشارة إلى نظرتها المغايرة لشكل النظام الدولي، اقترحت الاستراتيجية إنشاء منصة "الأساسيون الخمسة" (سي.5)، وهم إضافة إلى الولايات المتحدة، الصين وروسيا والهند واليابان، من أجل البحث في مسائل محددة، على أن ينعقد المؤتمر بشكل دوري.
قد تكون "سي.5" بديلاً لمجموعة السبع الغربية التي لم يظهر الرئيس الأميركي انسجاماً كبيراً معها. وليس واضحاً ما إذا كانت الولايات المتحدة ستصر دوماً على ضم اليابان إذا انتخبت شخصية غير محافظة في المستقبل. لكنها منصة ترضي طموح روسيا والصين بالتأكيد.
وتشير الوثيقة، دائماً بحسب "ديفنس نيوز"، إلى أن "الهيمنة (العالمية) هي المطلب الخاطئ للعمل عليه ولم تكن قابلة للتحقيق". لا يستبعد تحليل الموقع نفسه أن تعبّر هذه الجملة عن استعداد أميركي للتخلي عن التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن أوروبا.
لكن "النخب" الفكرية لم تؤيد كلها نظرية قدرة أميركا على البقاء في الصدارة طوال الوقت كما ذكرت الاستراتيجية. فجزء من هذه النخب اقترح أفكاراً كي تنسحب أميركا من دور المهيمن على العالم، جزئياً، وبطريقة منظمة.
لِصحّة أفضل
أصبح "الدش البارد"، وحتى الجلوس في حوض استحمام مملوء بالجليد، موضة حديثة. يقول مؤيدوها إنها تفيد توازن الهورمونات وتخفّف الالتهابات وتحسّن المزاج والجهاز المناعي، لكن الدراسات بشأنها قليلة كي تكون حاسمة. فماذا عن "الدش السياسي؟".
دأبت أوروبا على تلقي هذا النوع من المياه الباردة منذ 10 أعوام تقريباً. ونتيجتها المناعية ملتبسة، في أفضل الأحوال.
نبض