استراتيجيا الأمن القومي... كعكة ترضية لتيارات "ماغا"

استراتيجيا الأمن القومي... كعكة ترضية لتيارات "ماغا"

لكنها كعكة مُرّة لبعض أقاليم الأرض.
استراتيجيا الأمن القومي... كعكة ترضية لتيارات "ماغا"
الرئيس الأميركي دونالد ترامب (أرشيف أب)
Smaller Bigger

بدت بعض المطبات اللغوية حتمية. فقد توجب على استراتيجيا الأمن القومي الأميركي الجديدة أن تعكس آراء التيارات المتضاربة داخل الإدارة. يمكن التفكير بهذه الجملة: "سياسة الرئيس ترامب هي براغماتية (pragmatic) من دون أن تكون "براغماتوية" (pragmatist) وواقعية (realistic) من دون أن تكون واقعوية (realist)". بعبارة أسهل، لن تكون براغماتية وواقعية واشنطن راسختين أو مؤدلجتين.

 

هذه المطبات هي من نتائج رفض الالتزام بمنحى ضابط للسياسة الخارجية، ربما باستثناء "النزعة إلى اللاتدخلية. ولا تُنكر الورقة عدم الالتزام هذا على أي حال. تشير الجملة نفسها إلى أن هذه السياسة ستكون مبدئية لكن غير "مثالية" و"عضلية" من دون أن تكون "صقرية". ستكون "مدفوعة بكل ما هو فعال لأميركا – أو، بكلمتين، أميركا أولاً".

 

باستثناء أن هاتين الكلمتين هما أصل الالتباس لا الوضوح. فتيار "ماغا" نفسه يخوض حرباً أهلية حول ما تعنيه عبارة "أميركا أولاً" – هذا إذا كان بإمكانها في الأساس أن تحمل أي معنى غير فضفاض، وهنا مكمن جاذبيتها الانتخابية – وحول من الذي يلتزم بها صراحة. بالفعل، اقترح البعض استبدال اسم "ماغا" بـ "أفاو"، أي "أميركا أولاً وأميركا وحدها"، لإزالة أي التباس حول مدلولات العبارة.

 

الضحية الأولى

كما كان متوقعاً، تصدرت أوروبا لائحة ضحايا الوثيقة الجديدة. لم تشفع لها كلمات تعلن حيوية أوروبا "الاستراتيجية" و"الثقافية" بالنسبة إلى أميركا. فاللغة السائدة هي النبرة الواعظة والمتعلقة بالقواعد الناظمة والهجرة و"قمع المعارضة السياسية" و"الانمحاء الحضاري"، أي تلك التي سمعها الأوروبيون، خصوصاً في الشتاء الماضي.

 

ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (أ ب)
ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (أ ب)

 

استخدمت الوثيقة الجديدة كلمتي "أوروبا" و"أوروبية" أكثر من 45 مرة، ومعظمها بطريقة نقدية، أي بما يزيد عن ضعف عدد مرات ذكر الصين، المنافس الاستراتيجي المفترض. وقسمت واشنطن القارة بين أحزاب "وطنية" تريد السلام مع روسيا، وحكومات أقلية غير مستقرة تمنعها من التعبير عن رأيها. وتذكر الإدارة أنها تريد العمل على تحقيق "الاستقرار الاستراتيجي" بين الدول الأوروبية وروسيا. إذاً واشنطن محايدة ووسيطة فقط. علاوة على ذلك، ذكرت الوثيقة أنها تريد "إنهاء تصور، وتفادي واقع أن يكون الناتو تحالفاً يتوسع باستمرار". لا عجب، بعد كل هذا، من أن ترحب موسكو بالوثيقة، وتعتبرها "متوافقة بشكل كبير" مع نظرتها، خصوصاً بعد حذفها من لائحة "التهديد المباشر".

 

الانسحاب... مجدداً؟

حتى في الشرق الأوسط حيث تفهم الإدارة الجديدة أهمية التعاون مع دوله وخصوصاً في الخليج العربي، على مستوى الأمن والاستثمارات والذكاء الاصطناعي ومكافحة التطرف، ثمة علامات استفهام بشأن الخطوات الأميركية المقبلة. فبعد ضعف إيران والتقدم النسبي في عملية الانطلاق نحو السلام، "سيتراجع السبب التاريخي الذي دفع أميركا إلى التركيز على الشرق الأوسط"، بحسب الوثيقة. لكن تراجع التركيز سابق لأوانه.

 

ترامب يوقع على إنهاء الحرب في غزة خلال قمة شرم الشيخ (أ ب)
ترامب يوقع على إنهاء الحرب في غزة خلال قمة شرم الشيخ (أ ب)

 

فالإدارة لم تذكر ما الذي ستفعله مع ملف إيران النووي، باستثناء الإشادة بتدمير برنامجها، أو ما ستفعله بترسانتها الصاروخية، مع أنها أعلنت عزمها منع هيمنة "قوة عدوانية" على المنطقة. بالفعل، ومن بين نحو 10 آلاف كلمة، لم تذكر الاستراتيجيا إيران سوى ثلاث مرات وحسب، مما قد يؤشر، بالإضافة إلى غياب لبنان عن الورقة، إلى أن الملف الإيراني ربما أصبح ثانوياً بالنسبة إلى واشنطن.

 

ليسوا أفضل حالاً

ولا يبدو الحلفاء الآسيويون لأميركا أفضل حالاً بكثير من نظرائهم الأوروبيين. فالاستراتيجيا لا تذكرهم إلا في الإطار المتعلق بالصراع مع الصين، وحتى هنا، خفّضت واشنطن الجغرافيا-السياسية من العنوان الأبرز للصراع خلال الإدارة الأولى، إلى مجرد نقطة داعمة للتنافس الاقتصادي، كما لاحظ ديفيد ساكس من "مجلس العلاقات الخارجية". ولفت النظر أيضاً إلى أن الولايات المتحدة بـ "عدم دعمها أي تغيير أحادي الجانب للستاتيكو في مضيق تايوان" أضعفت موقفها القاضي بمعارضة أي تغييرات أحادية الجانب.

 

القمة الأخيرة بين ترامب ونظيره الصيني شي جينبينغ (أ ب)
القمة الأخيرة بين ترامب ونظيره الصيني شي جينبينغ (أ ب)

 

مع ذلك، أيدت أميركا ردع الصين عن التحرك عسكرياً عبر جعل "الحفاظ على التفوق العسكري أولوية" في المنطقة. كما طالبت دول أميركا اللاتينية برفض النفوذ "العدواني" في موانئها ومنشآتها العسكرية وبناها التحتية، وهي إشارة إلى نفوذ الصين في النصف الغربي من الكوكب، والمستند إلى تعزيز "مبدأ مونرو". 

 

ما قالته الورقة

باختصار، لبّت الورقة تطلعات الانعزاليين والمتشددين وما بينهما داخل الإدارة، وفي ما يخص وعظ أوروبا تحديداً، تطلعات جيه دي فانس، نائب ترامب. لكن كما هي الحال عادة، إن ورقة تقول كل شيء، لا تقول، تقريباً، أي شيء.

 

الأكثر قراءة

الخليج العربي 12/8/2025 2:59:00 PM
روبوت يتولّى دور المذيع معتمداً على تقنيات الذكاء الاصطناعي
المشرق-العربي 12/8/2025 10:41:00 AM
فر الأسد من سوريا إلى روسيا قبل عام عندما سيطرت المعارضة بقيادة الرئيس الحالي الشرع على دمشق
المشرق-العربي 12/8/2025 5:03:00 PM
تُهدّد هذه الخطوة بمزيد من التفكك في اليمن.
النهار تتحقق 12/8/2025 10:43:00 AM
الصورة عتيقة، وألوانها باهتة. وبدا فيها الرئيس السوري المخلوع واقفا الى جانب لونا الشبل بفستان العرس. ماذا في التفاصيل؟