ترامب وفنزويلا… نفط ودومينو ومغامرات أميركية أخرى
ختم الرئيس دونالد ترامب تشرين الثاني/نوفمبر بما يشبه قرع طبول الحرب ضد فنزويلا. ففي 29 من الشهر الفائت، أعلن عبر منصته الاجتماعية “تروث سوشال” فرض حظر جوي على البلد اللاتيني الذي تحتشد له القوات العسكرية الأميركية منذ شهور بعديد يبلغ نحو 15 ألف جندي وعتاد يتألف من حاملة طائرات وثلاث مدمرات بصواريخ موجهة وغواصة نووية وسفينة عمليات خاصة ومقاتلات حربية من طراز "اف-35" وأخرى تحمل قاذفات ثقيلة، بالإضافة إلى طائرات الاستطلاع والمسيرات، وتتمركز على بعد عشرات الكيلومترات عن السواحل الفنزويلية.
إعلان الحظر الجوي بدا مقدمة لخطوة جديدة في التصعيد المستمر ضد نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، قصفت خلالها الولايات المتحدة أكثر من عشرين مركباً بحرياً في الكاريبي والمحيط الهادئ قالت إنها تهرب المخدرات إلى أميركا، أسفرت عن عشرات القتلى "الإرهابيين" بحسب توصيف "البنتاغون"، رافقها جدل داخلي ودولي حيال قانونية هذه الضربات لمراكب لا تشكل تهديداً عسكرياً لأميركا.
لكن إدارة ترامب من البداية لم تختبئ خلف حجة مكافحة تهريب المخدرات في حملة "الضغط القصوى". وبدا الحظر الجوي تمهيداً لقصف داخل التراب الفنزويلي يستهدف مقرات محتملة لعصابات المخدرات ومرافق أخرى تستخدمها بالتعاون مع النظام القائم.

مشكلة ترامب مع مادورو ليست في المخدرات وحدها، بل ربما ليست مع المخدرات أصلاً. هذا النظام الخصم يجلس على أكبر احتياطي نفط في العالم. نحو 304 مليارات برميل تنتج فنزويلا قشوراً منها بسبب الحصار الأميركي وبسبب انهيار البنية التحتية والأزمات الخانقة التي يعاني منها البلد الأميركي الجنوبي. هذا الكنز الهائل يقع أسفل قدمي نظام صديق لخصمين لدودين لأميركا هما الصين وروسيا. ومع أن مادورو يحاول ما أمكن التودد لترامب، إذ وافق سابقاً على السماح لخط عودة إجباري لمواطنيه المهاجرين غير الشرعيين في أميركا إلى بلده، إلا أن حظه قليل مع صقر شرس مثل وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، يرى فيه فريسة سهلة لا يحتاج حتى إلى غزو بري لإسقاطه، بل إلى عمليات جوية محدودة تضعفه وتدفع دائرته الضيقة في الجيش للانقلاب عليه، وتترك الباقي للمعارضة الداخلية الحليفة لأميركا لتولي زمام الأمور.
حتى أن مادورو، وبحسب "نيويورك تايمز"، عرض في اتصال هاتفي أجراه مع ترامب في 31 تشرين الثاني الفائت، ودام 15 دقيقة، التنازل عن السلطة ومغادرة بلده لقاء باقة من الضمانات الأميركية أهمها منحه الحصانة ورفع العقوبات عن فنزويلا، لكن ترامب رفض تقديم أي ضمانات، سامحاً له بمرور آمن في غضون أسبوع إلى أي بلد يقبل به، وإلا فإن الضغط سيتصاعد. وهكذا انتهى الـ"مجرد اتصال" كما وصفه ترامب من دون عقد صفقة.
سيناريو العمليات الجوية والانقلاب الداخلي الذي قد يكون أجمل من أن يكون حقيقياً، لا يقف عند فنزويلا، بل يجعلها الحجر الأول في سلسلة أحجار دومينو تتخلص فيها أميركا من الأنظمة المناوئة تباعاً وتفرض سيطرة تامة للبلد الشمالي القوي على القارة الجنوبية. وأي تراجع عن إسقاط مادورو قد يعني التخلي عن حلم التخلص من نظام دانيال أورتيغا في نيكاراغوا ولويس آرسي في بوليفيا، بالإضافة إلى النظام الأعتق في عناده لأميركا، في كوبا الأقرب إلى عيون الأميركيين وقلب روبيو ابن مواطنيها المهاجرين منها.
ترتيب "الحديقة الخلفية" للولايات المتحدة، دونه الكثير من الواقع العائق أمام أحلام وردية تداعب خيال ترامب وإدارته التي يوجد فيها شخص مثل بيت هيغسيث، وزير حرب شديد الحماسة حد التهور.
وبغياب المساءلة التشريعية الجدية لترامب، ومع مجموعة من المساعدين والمستشارين الذين يلعبون دور مشجعين له، تبقى كل الاحتمالات مفتوحة أمام المغامرة التي تخوضها أميركا في الكاريبي، والتي باتت بدايتها معروفة، لكن لا أحد يمكن توقع نهاياتها، خاصة وأن الرئيس لم يتم سنة بعد من عودته إلى كرسي مكتبه في البيت الأبيض.
نبض