ممداني في هواجس اليمين المتطرف: خليفة نيويورك وسائر بلاد الأميركان
"سقطت نيويورك".
التعبير العسكري المستقى من برقيات عاجلة تعود إلى الحرب العالمية الثانية كان الاستنتاج الأكثر انتشاراً بين أقصى اليمين الأميركي وقاعدة الرئيس دونالد ترامب من ضمنه.
المدينة التي انتخبت الديموقراطي الاشتراكي زهران ممداني، الثلاثاء الفائت، عمدةً لها باتت، بعُرف اليمين، "محتلّة"، وقد سقطت بيد "عدو" شاب أسمر البشرة من أصول هندية، مهاجر من أوغندا الأفريقية.
وإذا كان عِرق الشاب ليس كافياً لاعتباره عدواً، فإنه يتمتع بميزتين إضافيتين؛ فهو مسلم، أي إنه "جهادي"، بحسب مؤثرة شديدة التطرف مثل لورا لومر. ممداني اشتراكي أيضاً، وهذه ترجمتها عند متطرف آخر مثل ستيف بانون أنه "نيو ماركسي".
لدى اليمين الأميركي الآن ما يظنه هدفاً واضحاً يسهل التصويب عليه وإصابته، ومن خلاله إصابة الأقلية المسلمة في أميركا، والمروحة الواسعة ممن يمكن ضمّهم تحت مظلة اليسار.
هذا اليمين ربط بين ممداني و11 أيلول/ سبتمبر 2001، مع أن هذا "الجهادي" كان في العاشرة من عمره حين وقع الهجوم. ومع أنه نشأ فخوراً بجذوره ودينه، فإنه لم يُعلن يوماً أنه مع تطبيق "الشريعة" (كائناً ما كان تفسير اليمين لهذا المصطلح) في مدينة مثل نيويورك مثلاً، أو في بلد مثل أميركا. لكن الأمر بدا كأنه قُضي مع إعلان فوزه بالمنصب. "أنا منكم ولكم"، التي قالها بالعربية في نهاية فيديو انتخابي، فُسّرت بأنها "قسم بالولاء للأمة (الإسلامية) العالمية". منصات مثل 4chan فبركت تصريحات له يمدح فيها تنظيم "داعش"، ووصف آخرون فوزه بأنه انتصار لحركة "حماس".
ممداني الذي سيحوّل نيويورك إلى "جنة المسلمين" ويعيّن نفسه خليفةً عليها، سيكون فوزه بداية صعود الإسلام النيويوركي وتحكّم المسلمين الذين يمارسون التقية بالسلطة، يقول اليمين المتطرف.

هذه الديستوبيا المتخيّلة موّلها جورج سوروس لا غيره، كجزء من خطته الكبيرة للسيطرة العالمية أو على الأقلّ لثورة ثقافية إسلامية. ومع النجاح في الخطوة الأولى (عمادة نيويورك)، فالآتي على أميركا أعظم، وأوّله الاغتيالات السياسية.
أما كيف وصل ممداني إلى منصبه، فحديث آخر يبدأ بالتزوير في ملف التجنيس (حصل على الجنسية الأميركية سنة 2019)، وبأنه كان شيوعياً في السابق، ومَوَّل الإرهاب عبر عائدات أغانيه في الراب. وبالطبع، هناك عدد غير محدد من المهاجرين غير الشرعيين اقترعوا له بطريقة أو بأخرى. وصعدت المطالبة بسحب جنسيته وشحنه إلى أوغندا من القاعدة إلى أعضاء كونغرس جمهوريين حثّوا وزارة العدل على فتح تحقيق معه يؤدي إلى طرده، أو على الأقل إلى نزع جنسيته عنه وإبقائه على الـ"غرين كارد" الذي لا يحق له معها تسلّم منصب عمدة.
ومع أنه متّهم بمعاداة السامية، فإن نظرية أخرى، لاقت استحساناً عند الفئة المنبوذة من اليمين الأميركي، رأت في ممداني دميةً تحركها أصابع المجموعة الغامضة إياها من اليهود، في سعيهم المستمر منذ قرون بعيدة للسيطرة على الكوكب. هذه النظرية، التي غالباً ما يتوصّل إليها طيف النازيين والمؤمنين بتفوّق العرق الأبيض، لها جذورها في الاتهام العتيق لكارل ماركس بأنه واحد من الآباء الروحيين لها. وممداني، بحسب ستيف بانون، "نيو ماركسي"، إلا أنه ليس دميةً لليهود بحسب كبير المتطرفين الأميركيين، بل هو نتاج عقود من السيطرة الممنهجة لليسار وثقافة الـ"ووك" على المدارس الحكومية وتشكيل عقول الأجيال بحسب هذه التوجهات المعادية لفكرة أميركا.
بانون شبّه ممداني، بالطبع، بعمدة لندن صادق خان، وقال إن فوزه يكمن في خمسين سنة من الاحتيال لنيل تأشيرات دخول إلى أميركا نتج عنها 15 مليوناً من "الغرباء الغزاة" غير الشرعيين. بانون حذّر ترامب و"ماغا" من الاستخفاف بممداني، لأنه سياسي متمرّس و"رجل غاضب"، وشعاراته الشعبوية قد تلقى صدى إيجابياً لدى الترامبيين من ذوي الدخل المحدود.
الرهاب المتنوّع ارتفع فوق فوز ممداني في طبقات أكثرها نفوراً ورهاباً من المسلمين على أنواعهم. لكن الرصينين من الجمهوريين فضّلوا التصويب على صفته كمهاجر، كما على خطره على الرأسمالية والحرية الأميركيتين. ممداني، في المقابل، لا يبدو غاضباً وفق ما وصفه بانون (في إحالة إلى ما يُوصَم به الأفارقة الأميركيون للدلالة على عنفهم ولاعقلانيتهم). لكن ممداني يبدو عنيداً وجريئاً وشاباً بما يكفي لأن يكون مستعداً للمواجهة من دون ممارسة أي تقية دينية أو سياسية، وقد خرج في خطاب الفوز مرحّباً بالمعارك، وطالباً من كبير المعسكر المواجه أن يرفع درجة صوت التلفزيون ليسمع ممداني يقول له ما معناه: "أهلاً بالمعارك".
نبض