الجمهوريّون مصدومون من خسائرهم الانتخابيّة... هل يستخلصون الدّروس قبل الانتخابات النّصفية؟
الجمهوريون في حالة من الارتباك بعدما اكتسح الديموقراطيون الانتخابات المحلية في ولايات عدة في جميع أنحاء البلاد، ما أطلق صافرة إنذار بأن حزبهم قد يواجه مشكلات قبل انتخابات التجديد النصفي لعام 2026.
لكنهم يبدون منقسمين حيال كيفية تصحيح المسار والدروس التي يمكن استخلاصها من الخسائر قبل للانتخابات النصفية، إذ يعتقد بعض الاستراتيجيين والمسؤولين أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يحتاج إلى بذل المزيد من الجهد في المنافسات المقبلة لإثارة حماسة قاعدته، بينما يعتقد آخرون أن الجمهوريين في الكونغرس بحاجة إلى تطوير وجهة نظرهم الخاصة تجاه التجارة والاقتصاد قبل عام 2026 في مواجهة التعرفات الجمركية التي فرضها ترامب.
والمعضلة السياسية المركزية التي يواجهها الحزب الجمهوري قبل انتخابات التجديد النصفي هي أنه إذا انفصل الجمهوريون عن ترامب، فإنهم يخاطرون بتعرضهم لانتقادات عامة قد تؤدي إلى انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات من قاعدة الحزب أو تكلفهم الكثير في الانتخابات التمهيدية المستقبلية. وفي الوقت نفسه، إذا دافعوا عنه، فإنهم سيحفزون الديموقراطيين على استغلال ذلك لاستمالة الغاضبين من سياسته وطريقة إدارته للاقتصاد.
حقق الديموقراطيون نجاحاً في انتخابات رئيسية في أنحاء البلاد، بما في ذلك نيويورك ونيوجيرسي وفيرجينيا، حيث انتقدوا أجندة ترامب للولاية الثانية وتعهدوا بمعالجة ارتفاع تكاليف المعيشة. امتدت انتصارات يوم الثلاثاء أيضاً إلى ولايات رئيسية متأرجحة مثل بنسلفانيا وجورجيا.
ويقول الأكاديمي والباحث البارز في معهد واشنطن للسلام والتنمية إدموند غريب لـ"النهار": "يمكن قراءة النتائج الأخيرة كرسالة احتجاج على إدارة ترامب وتعزيز معنوي للديموقراطيين الذين كانوا يواجهون انقسامات داخلية ووجدوا أنفسهم في وضع صعب بعد ترامب". ويضيف: "تحمل هذه النتائج تقييماً لأداء ترامب، خاصة أنه، بحسب استطلاعات، يحظى فقط بدعم 43% من الأميركيين".
ويشير غريب إلى أنه "يجب النظر إلى أن الخسارة الانتخابية أيضاً ناتجة من ضعف التعبئة الشعبية وغياب ترامب عن ورقة الاقتراع وتأثير الإغلاق الحكومي... هذا على الأقل ما يعتقده تيار ماغا الذي يدعم بقوة سياسات الرئيس"، ويضيف: "هم أيضاً يرون أنه يجب أن يكون هناك دعوات لتصعيد المواجهة مع الديموقراطيين، بما في ذلك الضغط على الولايات الزرقاء مثل نيويورك، وتكثيف الخطاب الشعبوي بشأن قضايا الهجرة غير الشرعية والجريمة والاقتصاد".
ويلفت غريب إلى أن "المحافظين التقليديين يرون أن الحزب الجمهوري فشل في تقديم مرشحين مؤهلين وخطاب اقتصادي مقنع للناخب، ويعتبرون أن الاعتماد المفرط على ترامب يضعف فرص الحزب في الولايات المتأرجحة، ويقترح هؤلاء أنه يجب إعادة ضبط الخطاب الجمهوري ليكون أكثر تركيزاً على السياسات الاقتصادية والأمن المحلي والحوكمة الرشيدة وتقليل الاعتماد على الخطاب الاستقطابي".
أشارت النتائج الأولية على مستوى المقاطعات إلى أن الجمهوريين لم يحافظوا على المكاسب التي حققها ترامب في عام 2024 بين الشباب والناخبين اللاتينيين والسود. ومع ذلك، تظهر استطلاعات الرأي أيضاً أن الحزب الديموقراطي عموماً يحظى بتصنيفات تأييد منخفضة، حيث يكافح للعثور على هويته بعد خسارة كامالا هاريس المؤلمة أمام ترامب.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي في واشنطن الدكتور حسن منينمة لـ"النهار" إن "كلا الحزبين يعاني تحديات داخلية كبيرة. الحزب الجمهوري الذي كان ترامپ قد تمكن من انتزاعه من التيارات المحافظة السابقة، عاد للانقسام، ولا سيما إزاء ابتعاد ترامب نفسه عن توجه "أميركا أولاً" من خلال التماهي الفائق مع إسرائيل، ولكن أيضاً لفشل ترامب في تحقيق الوعود في ما يتعلق بالتضخم تحديداً، ومن ثم مسؤولية الجمهوريين عن الإغلاق الحكومي المستمر، وما يؤدي إليه من تعليق الخدمات العامة".
ويضيف: "الحلول التي يتبعها ترامب والقيادات الجمهورية في الكونغرس هي أشبه بالهروب إلى الإمام، أي مضاعفة الحروب الخارجية، كما في فنزويلا، أو الإفراط بتحميل الخصوم المسؤولية، في موضوع الإغلاق. غير أن الجمهور الناخب لا يبدو مقتنعاً بهذه الأعذار. لا يعني ذلك أن لدى الديموقراطيين حلولاً ناجعة، بل يعني وحسب أننا نشهد دفعاً عاماً لتحقيق قدر من التوازن يلجم الجموح الجمهوري، كما كان انتخاب ترامب للرئاسة خطوة من الجمهور للجم المبالغات التي أقدم عليها الديموقراطيون".

وأثارت الهزيمة الانتخابية قضية واجهها الجمهوريون باستمرار في عهد ترامب: كيفية حض ناخبي "ماغا" الذين يدعمون ترامب دعماً موثوقاً في سنوات الانتخابات الرئاسية على التصويت لمصلحة المشرعين الجمهوريين عندما لا يكون ترامب مرشحاً في الانتخابات.
قد يشكل ذلك مشكلة وجودية للحزب، مع دخول ترامب فترة ولايته الرئاسية الأخيرة. وقال استراتيجيون جمهوريون مشاركون في انتخابات التجديد النصفي إن على الرئيس أن يشارك بشكل أكبر في انتخابات التجديد النصفي لإثارة حماسة قاعدته الانتخابية وإثبات أنه أوفى بوعوده الانتخابية الأساسية مثل تأمين الحدود.
واستفاد الديموقراطيون من دور الرئيس في الانتخابات. فقد كان حاضراً لكنه لم يفعل الكثير لمساعدة الجمهوريين فعلياً، ولم ينظم أي حملات لجمع التبرعات أو تجمعات حضورية، واكتفى بالاتصال هاتفياً في مكالمات تهدف إلى حشد المؤيدين في نيوجيرسي وفيرجينيا.
ومن بين الشواغل الرئيسية الأخرى للجمهوريين النهج الاقتصادي لترامب. فقد فرض الرئيس الأميركي رسوماً جمركية مرتفعة على عدد من البلدان، ما أدى إلى ارتفاع أسعار بعض السلع في الولايات المتحدة. وركز الديموقراطيون - أبيجيل سبانبرغر في فرجينيا، وميكي شيريل في نيوجيرسي، وزهران ممداني في نيويورك - معظم حملاتهم الانتخابية على خفض التكاليف في ولاياتهم.
ويقول رئيس قسم الدراسات الدولية والسياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية الدكتور عماد سلامة لـ"النهار": "تُظهر النتائج الأخيرة لانتخابات محلية محدودة الأثر الوطني أن ما جرى يقع ضمن الأنماط الدورية المعهودة في الولايات المتحدة، حيث يميل الناخبون في الاستحقاقات غير الرئاسية إلى معاقبة الحزب الحاكم. وساهمت أجواء الإقفال الفيدرالي في توسيع هامش التصويت الاحتجاجي، ما عزّز مكاسب خصوم الجمهوريين في بعض الدوائر من دون أن يشكّل ذلك استفتاءً حاسماً على الخريطة الوطنية".
ويضيف: "داخلياً، تدفع هذه النتائج الحزب الجمهوري إلى ضبط الرسائل وترتيب الأولويات باتجاه قضايا التكلفة المعيشية والإدارة الاقتصادية بدل السجالات الرمزية، مع مراجعة أدوات التعبئة والتحالفات المحلية. كما تحفّز أجهزة التجنيد والتمويل على إعادة رسم خرائط 2026".
ويشير سلامة إلى أنه "جدير بالملاحظة أن بعض الانتصارات لخصوم الجمهوريين جاءت بهوامش ضيقة أو بنِسَب أدنى من التوقعات المعلنة، ذلك يوحي بحدود التفويض، ويشير إلى بيئات انتخابية منقسمة لا تحولات بنيوية. حصيلة الأمر للجمهوريين مقبولة قياساً بالظرف العام"، لكنها إنذار بضرورة تسوية ملف الإقفال واستعادة المبادرة التشريعية والانتخابية.
نبض