"ليس هكذا نوقف ترامب وحسب، لكن هكذا نوقف أيضاً (المرشح الترامبي) التالي"، قال عمدة مدينة نيويورك الجديد زهران ممداني في خطاب النصر. وأضاف: "لذا يا دونالد ترامب، بما أنني أعلم أنك تشاهدني، لدي أربع كلمات لك: قم برفع مستوى الصوت".

خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب خاسراً من مواجهة نيويورك، بعد دعم متأخر للمرشح المستقل وحاكم نيويورك الأسبق أندرو كومو. ألقى ترامب اللوم على الإغلاق الحكومي وقال إن اسمه لم يكن موجوداً على بطاقة الاقتراع. حصد العمدة الاشتراكي أكثر من 50 في المئة من أصوات المقترعين وتقدم على منافسه بنحو 9 نقاط مئوية.

الأخطر بالنسبة إلى الجمهوريين أن ممداني تفوق على خصمه بنسبة 43 نقطة مئوية بين من هم دون الخامسة والأربعين. إنه مؤشر إلى تحول جيلي كبير في نيويورك، وربما خارجها.

ممداني يحيي مناصريه بعد الفوز (أ ب)

حتى المعتدلون الديموقراطيون

لم يكن المحافظون وحدهم من وقفوا ضد ممداني. إن صحفاً أميركية محسوبة على الليبراليين، مثل "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز"، انتقدت ممداني أيضاً. ودعم عمدة مدينة نيويورك الأسبق مايكل بلومبرغ المرشح الخاسر. ربما ساهم اقتراح ممداني فرض زيادة ضريبية بقيمة 2 في المئة على نسبة من الأثرياء في النفور الجزئي منه. يعتقد البعض أن تلك الفكرة ستتسبب بهجرة أصحاب الثروات.

بالحديث عن الهجرة، أجرت شركة "جي إل بارتنرز" استطلاع رأي قبل الانتخابات وجد أن 9 في المئة من سكان نيويورك سيغادرون المدينة "حتماً" في حال فوزه، وأن 25 في المئة سيفكرون بذلك. طبعاً لا تمثل هذه الأرقام مليونيرات نيويورك. وصلت نسبة هؤلاء سنة 2024 إلى نحو 4 في المئة من سكان المدينة.

ويخشى البعض من "لاسامية" ممداني بسبب تصريحات سابقة له في مدينة تحتضن ثاني أكبر عدد من اليهود حول العالم. ففي سنة 2023، وفي ربط بين سلوك إسرائيل وشرطة نيويورك، قال ممداني: "علينا أن نكون واضحين بأن حذاء قسم شرطة مدينة نيويورك على عنقك، قد تم ربطه من جيش الدفاع الإسرائيلي". أوضح ممداني لاحقاً أنه كان يقصد التدريبات المشتركة التي تجري بين الطرفين. بحسب استطلاعات الخروج لدى "سي إن إن"، صوّت فقط نحو ثلث يهود المدينة لممداني. وسبق أن وصف العمدة الجديد شرطة نيويورك بأنها "عنصرية" و"مارقة" قبل أن يعتذر.

أين الوجهة؟

يستأنف ممداني مساراً تصاعدياً للديموقراطيين الاشتراكيين في الولايات المتحدة، بعدما افتتحه المرشح الرئاسي بيرني ساندرز سنة 2016 وعززه فوز أربع مرشحات يساريات في انتخابات 2018. حينها، أسست النائبات تجمعاً في مجلس النواب عُرف باسم "الفرقة". ارتفع عدد أعضاء التجمع اليساري إلى 9 سنة 2022، قبل أن يخسر نائبين في الانتخابات الأخيرة.

المرشح الخاسر أندرو كومو (أ ب)

لكن هذا الصعود للجناح اليساري في الحزب الديموقراطي يؤذن بصراع سياسي حاد داخل الحزب نفسه. قال ممداني الشهر الماضي إنه يجسّد "قوة تيار كسب المعركة حول روح الحزب الديموقراطي".

انتقد فان جونز من "سي إن إن" خطاب النصر الناري لممداني قائلاً إن الرجل لم يُبرز على المنصة الصفات الدافئة التي أظهرها خلال حملته الانتخابية. وكتبت صحيفة "ذا هيل" أن ذكر ممداني لاسم الناشط الاشتراكي الأميركي الأسبق يوجين دبس ورئيس الوزراء الهندي الأسبق جواهر لال نهرو (ممداني مولود في أوغندا من أصول هندية) سيثير استياء الوسطيين في الحزب. وترشح دبس في مسيرته خمس مرات إلى الانتخابات الرئاسية.

ربما يؤدي الصعود السريع لممداني إلى انزياح ديموقراطي أكبر نحو اليسار طالما أن مواقفه الحادة تؤتي ثمارها. لكن يصعب الجزم بهذه الفرضية. فالناخبون في نيوجيرسي وفرجينيا صوتوا الثلاثاء أيضاً لحاكمتين ديموقراطيتين معتدلتين، ميكي شيريل وأبيغايل سبانبرغر وقد حصدتا نقاطاً أكثر من نقاط كامالا هاريس في الانتخابات الماضية. وثمة مشكلة أخرى تتمثل في أن طبع وسياسة ممداني قد لا يتوافقان مع الناخبين المستقلين في الولايات المتأرجحة، حيث تدور المعركة الحقيقية على مقاليد الحكم في واشنطن.

مفتاح الفوز

علاوة على ذلك، قد لا يمثل فوز ممداني مؤشراً حتى إلى الأداء العام لكل الديموقراطيين، بوسطهم ويسارهم. من راقب سلسلة الانتصارات الديموقراطية في الانتخابات المحلية سنة 2023 استبعد إمكانية تحقيق الجمهوريين فوزاً كبيراً في السنة التالية. لكن بما أن حزبهم في المعارضة الآن، من المرجح أن يكون أداء الديموقراطيين قوياً في الانتخابات النصفية المقبلة.

من جهة أخرى، لا تخطئ العين نجاح ممداني في طروحاته السياسية التي تعهدت بتجميد بدلات الإيجار وتأمين الحافلات المجانية والرعاية المجانية للأطفال. في المقام الأول، يعكس انتصار ممداني أداء متقدماً في تنظيم الدعاية والحملة الانتخابية.

قضية أخرى

تحدث المخطط الاستراتيجي الأسبق في ولاية ترامب الأولى ستيف بانون عن قدرة ممداني على التعبئة الميدانية والتي تمثلت بناشطين يطرقون أبواب المنازل لدفع الناخبين إلى صناديق الاقتراع، بينما لم تؤد ملايين كومو التي أُنفقت على الإعلانات إلى تحقيق النتيجة المرجوة. هذا إلى جانب انتقاداته الواسعة لـ "النخب" التي سمحت للمهاجرين بدخول البلاد والتصويت.

لكن جمهوريين آخرين ركزوا على قضية ثانية: تجاهل حزبهم للقضايا المعيشية والتركيز على سياسات الهوية. هذا كان موقف المرشح الأسبق إلى الرئاسة الأميركية فيفيك راماسوامي. فهو "عاد" للتو من معركة شرسة، بين الجمهوريين أنفسهم، حول اليمين المتطرف واللاسامية.