"العمدة" زهران ممداني… الاشتراكي الذي لا يتمناه الديموقراطيون وجهاً لحزبهم

"العمدة" زهران ممداني… الاشتراكي الذي لا يتمناه الديموقراطيون وجهاً لحزبهم

رفض زهران ممداني التبرعات من شركات وعقارات ولوبيات ضغط، وأنزل جيشاً من المتطوعين المتحمسين ليقرعوا على الأبواب حتى إيصاله إلى الناس. 
"العمدة" زهران ممداني… الاشتراكي الذي لا يتمناه الديموقراطيون وجهاً لحزبهم
المرشح الديموقراطي لمنصب عمدة مدينة نيويورك زهران ممداني يلقي كلمة خلال فعالية انتخابية في حي كوينز. (أ ف ب)
Smaller Bigger

"إزيّك يا باشا؟ كل شي تمام؟"، يقول زهران ممداني في فيديو إعلاني يخاطب خلاله النيويوركيين من أصول عربية بلهجة مختلطة من السوري والمصري، لكنها مفهومة تماماً لهم.
الباشا، الذي يحيّيه المرشح الديموقراطي الاشتراكي الشاب لمركز العمدة في مدينة نيويورك، هو قطّ ساهٍ في واحد من مواقع التصوير التي تجوّل فيها لإنجاز التقرير، حيث مطاعم ومتاجر صغيرة يديرها أرباب عمل من أصول عربية، والذين يشكلون واحدة من الأقليات التي تتمّم النسيج المتنوع دينياً وعرقياً في المدينة.
المهاجر الأوغندي من أصول آسيوية كان قبل بضعة أشهر واحداً آخر من السياسيين المجهولين، وعضواً في الجمعية التشريعية للولاية منذ العام 2020، بعدما بات أميركياً قبل ذلك بعامين فقط، ثم بدأ صعوداً سريعاً في الشعبية بحملة انتخابية في الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي لمنصب عمدة المدينة. خاطب خلال تلك الحملة الطبقة الوسطى والفئات العاملة بوعود بحت معيشية، كتجميد الإيجارات، وبناء مساكن ميسورة التكلفة، وتأمين حافلات مجانية، ورفع الحدّ الأدنى للأجور، وإطلاق متاجر بقالة مملوكة للمدينة، بالإضافة إلى إدارة دور رعاية للأطفال ممن هم دون سن المدرسة مجاناً.
رفض بالطبع التبرعات من شركات وعقارات ولوبيات ضغط، وأنزل جيشاً من المتطوعين المتحمسين ليقرعوا على الأبواب حتى إيصاله إلى الناس. استعمل موهبته في غناء الهيب هوب في إعلاناته. صنع حالة ليست غريبة على المدينة، فأزاحت مخضرماً مثل أندرو كومو، حاكم الولاية السابق، الابن الوفي لـ"الاعتدال" في الحزب الديموقراطي. وبعد خسارته أمام ممداني في الانتخابات التمهيدية، قرّر الترشح مستقلاً في مواجهته.

 

أنصار زهران ممداني خلال فعالية انتخابية في حي كوينز بمدينة نيويورك. (أ ف ب)
أنصار زهران ممداني خلال فعالية انتخابية في حي كوينز بمدينة نيويورك. (أ ف ب)

 

هكذا بات هناك ثلاثة مرشحين رئيسيين إلى المنصب: ممداني، الاشتراكي المسلم الإثنا عشري، المناهض للحرب على غزة، بخطابه المعيشي. وكومو، الديموقراطي المستقلّ الذي يحمل خطاباً انتخابياً يقتصر على الإصرار على لفظ اسم ممداني خطأ (مدامني) واتهامه بمعاداة السامية، والتهويل بأن لا مستقبل لنيويورك إذا بات ممداني عمدة؛ وهو يستخدم الرئيس دونالد ترامب فزاعة لتخويف أبناء مدينته من الغضب الترامبي إذا فاز من يسمّيه الرئيس "شيوعياً".
كومو يريد للناخبين أن يطمئنوا إلى أن ما يعرفونه أفضل مما لا يعرفونه. وما يعرفونه هو "المكرّس" في الحزب، بكباره وخطابه التقليدي الراسخ. وهو مكرّس مرفوض من نحو ثلثي الديموقراطيين والمستقلين الذين يميلون ديموقراطياً، إذ يرون أن سياسات الحزب مثيرة للإحباط. وهو الخطاب نفسه الذي جعله يهزم في الانتخابات التمهيدية، وهو الذي سيهزمه ثانية الثلاثاء أمام ممداني وبفارق كبير، إذا ما صدقت استطلاعات الرأي التي ترجح فوز ممداني.
الجناح التقدمي في الحزب، بقيادة بيرني ساندرز والنجمة الصاعدة ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، يخوض معركة ممداني كتفاً إلى كتف معه. التجمع الانتخابي الأخير لرفيقهما في نيويورك، الذي تحدث فيه السيناتور والنائبة، جمع نحو 13 ألف متحمّس من أحياء نيويورك المختلفة، بحضور كبير من الفئات الأكثر شباباً. هذه الحماسة، والفوز الذي سيتحقق اليوم، سيضع الحزب الديموقراطي مجدداً أمام سؤال الهوية التي ينقسم عليها الديموقراطيون قادةً وجماهير، بين التقدميين والمعتدلين.
ومع أن ممداني مرشحهم الرسمي ضد كومو المستقلّ والجمهوري كورتيس سليوا، الذي لا حظ له مطلقاً بالفوز، فإن الديموقراطيين يتعاطون مع ممداني بصفته دخيلاً عليهم، بل أقرب إلى خاصرة رخوة يمكن للجمهوريين التصويب عليهم من خلالها.

الجمهوريون، وفي مقدّمهم ترامب، يريدون أن يصير ممداني، الذي يتعمّدون لفظ اسمه خطأ بدورهم، وجه الحزب الديموقراطي. رجل هنديّ مسلم بملامح عربية يمكن اتهامه بأنه شيوعيّ بالقدر نفسه من اتهامه بأنه سيكون 11 أيلول/ سبتمبر آخر على المدينة. هذا الوجه الذي يجذب كلّ ما هو ليس "أميركياً حقيقياً"، من ليبراليين وأقليات ومناهضين لإسرائيل ومدافعين عن حقوق مجتمع الميم، وصولاً إلى العداء للرأسمالية الأميركية المقدسة.
والديموقراطيون متخوفون من هذا الجهد الجمهوري في صبغ حزبهم بالممدانية. فهم بالكاد زكّوه في الانتخابات، التي يخوضها باسمهم، وانتظر حتى الأسبوع الفائت ليتلقّى اتصالاً مشجعاً من الرئيس السابق باراك أوباما، الذي كانت سيرته كنجم ديموقراطي صاعد قبل نحو عقدين هي، للمفارقة، الأقرب شكلاً إلى ممداني، مع فارق أن أوباما أطلّ من عباءة الحزب ولم يخرج منها إلى التقدّمية الاشتراكية.
لكن الحزب لا يستطيع الهرب من مأزقه بدفن رأسه في الرمل. فهو على أعتاب معارك تمهيدية متنقلة قبل الانتخابات النصفية العام المقبل، وفوز اشتراكي في مدينة مثل نيويورك ليس خبراً جيداً في انتخابات ولايات متأرجحة ينقسم فيها الناخبون بينهم وبين خصومهم الجمهوريين. وبعد واحدة من أفشل المعارك الانتخابية التي خاضوها العام الفائت، وخسروا خلالها البيت الأبيض والكونغرس بشقيه، هم الآن متخوفون من تمدد ظاهرة ممداني على قواعدهم الشعبية الأخرى، حيث تقلّ حظوظ مرشحيهم إذا كانوا تقدّميين فخورين. هذا عدا عن تماسك الحزب الجمهوري بعدما ذاب في الترامبية والخصم العنيد التي يقودها وتحمل اسمه.
وهي ورطة مزدوجة. فإمّا أن يشيح الحزب بصره عن التغيير الذي يطرأ على قواعده الشعبية ويأمل في أن يكون كل شيء على ما يرام، وإما أن يتبنى خطاب التغيير الذي يزداد قوة وحدّة يوماً بعد يوم مع تصاعد العداء لترامب وسياساته، فيخسر الحزب قاعدته الوازنة من "المعتدلين" ومن المموّلين الكبار.
ومع أن أندرو كومو لم يجد غير ترامب ليهوّل به، فإن زهران ممداني فاز عليه في الانتخابات التمهيدية لأنه معادٍ للترامبية ومندفع لمواجهتها، وسيفوز عليه الثلاثاء للسبب عينه، إضافة إلى سبب آخر جوهري هو أن ممداني في الشارع اليومي، بينما كومو يخوض الانتخابات كما لو أنه جالس على تلّة عالية، فلا العمر يسمح له بالنزول من برجه، ولا يملك بعد أيّاً من حماسة البدايات التي تجعل سياسياً مثل ممداني يحكي بالعربية، ويداعب القطط، ويغنّي ويرقص ويصافح سائقي التاكسي، ثمّ يذهب إلى ملهى ليلي ليشارك الساهرين الغناء والرقص على وقع أغنية "نيويورك نيويورك".


الأكثر قراءة

كتاب النهار 11/3/2025 5:40:00 AM
يكفي الفلسطينيين إساءة الى لبنان الذي حضنهم، وإساءة الى اللبنانيين على مختالف فئاتهم ومكوناتهم
ثقافة 11/2/2025 10:46:00 AM
"والدي هو السبب في اكتشاف المقبرة، وكان عمره وقتها 12 عاماً فقط سنة 1922."
النهار تتحقق 11/3/2025 10:29:00 AM
تظهر المشاهد الرئيس عون في قاعة كبيرة، وسط أشخاص. وفي المزاعم، "كان يزور "معرض أرضي" في الضاحية". هل هذا صحيح؟ 
وُلدت دواجي في هيوستن بولاية تكساس لأسرة سورية، وقضت طفولتها بين الخليج والولايات المتحدة بعد انتقال عائلتها إلى دبي وهي في التاسعة من عمرها.