شهر على الإغلاق الحكومي... الأميركيون في طوابير الإعاشات الغذائية
يتجه الإغلاق الحكومي ليكسر رقماً قياسياً في طول مدته. من بين 11 إغلاقاً مماثلاً، يحلّ الحالي الذي بدأ منتصف ليل الأول من تشرين الأول/أكتوبر في المركز الثاني، بينما يتصدر الترتيب ذاك الذي وقع في كانون الأول/ ديسمبر 2018 واستمر 35 يوماً. كان دونالد ترامب رئيساً، وكان تمويل جدار الفصل مع المكسيك إحدى أكبر المشاكل العالقة.
ومع عودته رئيساً، عاد الانقسام إلى حدّته المعهودة بين الحزبين اللذين يتهم كلٌّ منهما الآخر بالتسبّب به. إدارة ترامب، والحزب الجمهوري خلفها، دفعت بخطة تمويل للإنفاق الحكومي حتى السنة المالية الجديدة، تحافظ على مستويات التمويل الحالية لكنها تتضمّن تخفيضاً في المساعدات الخارجية واستبعاد تمديد إعانات قانون الرعاية الصحية الميسّرة (أوباما كير). رفض الديموقراطيون التصويت إيجاباً على القرار من دون ضمانات تحمي 24 مليون أميركي من دون تأمين صحي يستفيدون من "أوباما كير". الرئيس الجمهوري لمجلس النواب مايك جونسون قال إن خصومه يبقون الإغلاق "رهينة" لديهم لدعمهم "الرعاية الصحية المجانية للمهاجرين غير الشرعيين". الديموقراطيون، في المقابل، يتهمون ترامب والجمهوريين باستغلال الأزمة لتمرير مخططاتهم بتقليص القوى العاملة الفيدرالية والبرامج.
مشروع التمويل يحتاج إلى 60 من أصل 100 في مجلس الشيوخ، الذي فشل حتى الآن عدة مرات في التوصل إلى الرقم المطلوب.
هكذا يستمر الإغلاق الواسع النطاق لخدمات غير رئيسية، كالمنتزهات العامة (الفيدرالية) التي تعمل بالحد الأدنى مع عدد محدد من الموظفين يعملون من دون أجر. كذلك، فإن قطاعاً شديد الحيوية مثل الطيران يتأثر بتقليل عدد الموظفين في مراكز المراقبة، حيث سُجل حتى الآن اختلال في مواعيد 8 آلاف رحلة جوية. برنامج SNAP للدعم الغذائي، الذي يقدم قسائم شرائية للطعام والمستلزمات الأساسية، متعثر في طول البلاد وعرضها، مع ولايات أوقفت توزيع القسائم. برنامج آخر يدعم 7 ملايين امرأة وطفل ستجفّ خزينته في غضون أسبوعين إذا ما استمر الإغلاق.
على المستوى الاقتصادي العام، يتراجع الناتج المحلي الإجمالي (GDP) بنسبة 0.1–0.2 أسبوعياً، أي يخسر نحو 15 مليار دولار، نتيجة إحجام الأميركيين عن الاستهلاك والعمليات الحكومية المتوقفة، ومنها دعم صغار أرباب العمل ومنهم المزارعون بالقروض الفيدرالية.

وإذا كان من المبكر توقع التأثير طويل الأمد للإغلاق على عجلة الاقتصاد الأميركي الهائلة، فإن المتضررين المباشرين من الإغلاق هم الموظفون الفيدراليون الذين تزداد محنتهم مع ازدياد العداد اليومي للإغلاق.
هؤلاء الذين يبلغ عددهم نحو 1.4 مليون موظف مدني ينقسمون بالتساوي تقريباً إلى نوعين. الأول أُعطي إجازة مفتوحة غير مدفوعة. موظفون تقريباً يصلون إلى فواتير أول تشرين الثاني/نوفمبر من دون مدخول الشهر الذي قبله، من إيجار البيت (أو القسط) إلى الفواتير الاعتيادية والمستحقات الأخرى. هذه الدفعات هي الهمّ الأكبر إذ يلجأ الأميركيون إلى تغطيتها عبر العمل في توصيل الطلبات أو بطلب قروض أخرى. ومع أنه من المفترض أن يتم تعويضهم أيام البطالة الإجبارية، إلا أن إدارة ترامب تهدّد بأنها لن تدفع لهم بمفعول رجعي.
النوع الثاني هو الموظفون في القطاعات الأساسية. هؤلاء يستمرون في الذهاب إلى عملهم من دون أجر.
الموظفون الفيدراليون باتوا مضطرين إلى اللجوء إلى منظمات غير حكومية كبنوك الطعام والكنائس والمجتمعات المحلية لتأمين حاجاتهم الغذائية، يصطفّون خلالها في طوابير للحصول على حصصهم من اللحوم والحليب والمعلبات والوجبات الجاهزة. طوابير تعيد إلى الأذهان مشاهد الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، مع فارق أن الجوع لا يتهددهم الآن بالضرورة، إذ يضطرون إلى صرف مدخراتهم والتوفير بأخذ الحصص الغذائية وسط عدم يقين أو أمل بالتوصل إلى اتفاق ينهي الإغلاق، الذي كلما استمر يوماً إضافياً، تضاعف أثره المؤلم على هذه الفئة التي لا تقف أصلاً على أرض صلبة مذ عاد ترامب إلى البيت الأبيض بمشروعه لتقليص الهدر الفيدرالي، بل تقليص الجهاز نفسه برمّته.
نبض