حرب أميركا على المخدرات في الكاريبي: الهدف رأس مادورو؟
على حسابه الرسمي في منصة "إكس"، ينشر وزير الحرب (الدفاع سابقاً) الأميركي بيت هيغسيث منذ أيلول/سبتمبر الفائت، فيديوات تظهر من فوق مراكب متفاوتة في الأحجام، في لحظاتها الأخيرة قبل أن تُقصف وتحترق وتختفي في المياه.
آخر فيديو نشره هيغسيث ليل الأربعاء الفائت بالتوقيت الشرقي للولايات المتحدة، أرفقه بوعد بأن هذه الضربات ضد "الإرهابيين وليس مجرد مهربي المخدرات، ستستمر يوماً بعد يوم".
الضربة هي الثانية على التوالي في يومين في المياه الدولية لشرقي المحيط الهادئ. وزارة الحرب خرجت من قبالة فنزويلا في بحر الكاريبي بعد سبع عمليات مماثلة ضد مراكب وسفن في إطار "حرب الدفاع عن النفس" التي تخوضها أميركا ضد كارتيلات المخدرات في أميركا الوسطى والجنوبية، لكن التي تركز فيها جهودها "الدفاعية" على فنزويلا التي يديرها نظام عدو للولايات المتحدة.

المبرر "القانوني" لإدارة ترامب في إغراق المراكب وقتل من عليها (37 شخصاً حتى الآن بحسب التقديرات) والاستمرار في هذه العملية لا يقف على أرض متماسكة داخلياً وأممياً. فمن يصفهم هيغسيث بأنهم "تنظيم القاعدة" الخاص بالمنطقة، لا يخوضون نزاعاً مسلحاً مع الولايات المتحدة، وسط إدانة أممية للضربات بوصفها "إعدامات خارج القضاء" من دون أحكام قضائية. الديموقراطيون في الكونغرس، مثل السيناتور بيرني ساندرز قال إن الضربات غير مقبولة وطالب بوقف القتل الاستباقي.
كذلك، فإن جهات عديدة تتفق على عدم جدوى هذه الحرب في إيقاف تهريب المخدرات إلى أميركا. و"الفنتانيل"، وهو المسبب الرئيسي للوفيات جراء الجرعة الزائدة في الولايات المتحدة، يجري تصنيعه وتهريبه من المكسيك. هذه الضربات، بحسب "مركز التقدم الأميركي" غير فعالة وغير قانونية وتستهدف أقل من واحد بالمئة من الشحنات، كما أنها ستؤدي إلى تغيير التكتيكات فقط، كما قال خبير في الجريمة المنظمة لصحيفة "نيويورك تايمز".
الإدارة الأميركية استبقت الحرب بحشد أكثر من عشرة آلاف جندي في الكاريبي في أواخر آب/أغسطس الفائت، وثماني سفن حربية وغواصة نووية وطائرات"أف-35". هذا الحشد الحربي المرعب يتخطى قصف مراكب مسكينة بلا حول ولا قوة، إلى استعراض قوة تلقفه الرئيس الفنزولي المغضوب عليه أميركياً نيكولاس مادورو بصفته عدواناً وتحضيراً لغزو محتمل لتغيير النظام الحاكم. وقد رد بمناورات عسكرية كبيرة لا تخفي مأزقه في مواجهة قوة عظمى مثل أميركا.
محللون أميركيون رأوا في المقابل أن الحشود العسكرية أكبر بكثير من أن تكون لضرب قوارب تهريب مخدرات لكنها أصغر من أن تكون قوة غزو لفنزويلا. الإدارة ترفع درجة الضغط على مادورو لإضعافه وإجباره على التنحي طوعاً. وزير الخارجية ماركو روبيو، وهو من صقور الجمهوريين في ملفات أميركا اللاتينية، لا يعترف بمادورو رئيساً في الأصل ويصف نظامه بالاجرامي الإرهابي الديكتاتوري المسؤول عن مقتل آلاف الأميركيين عبر حرب المخدرات التي يخوضها ضد أميركا. ويعتبر أن الحشد، إضافة إلى تعزيز الأمن الإقليمي في المنطقة، هو أداة لإضعاف قبضة النظام الفنزويلي العدو الذي سيواجه العدالة.

هذه الحماسة العامة في الإدارة الأميركية لمحاصرة النظام الفنزويلي في البحر، وإطلاق يد وكالة الاستخبارات المركزية CIA في الداخل الفنزويلي، رفعت التوتر في المنطقة إلى درجة عالية مع تخوف من خطة متدرجة في التصعيد، بدأت بالحشد العسكري ثم بالضربات على المراكب والسفن ليلحقها ضربات جوية على أهداف داخل فنزويلا، مثل مطارات ومقرات كارتلات تتهم أميركا النظام بدعمها. وهي حماسة لن تجد في الإدارة الحالية من يعترض عليها كما أنها لن تجد في المقابل من يستطيع ردعها في الكونغرس. وفي خضم بهجة عارمة من روبيو وهيغسيث بكل ضربة يوجهها أقوى جيش في العالم وأكثره تقدماً على المستويات كافة، لقارب مكشوف، ومع التأكيد بعد كل ضربة بأن لا إصابات وقعت لدى الجنود الأميركيين، ليس هناك ما يوحي بأن الرئيس الذي أوقف ثماني حروب كما يزعم، سيوقف نشاطه الحربي في المنطقة التي لطالما أطلق عليها اسم الحديقة الخلفية للولايات المتحدة.
نبض