ترامب واستعراض القوّة... ماذا بعد اجتماع الجنرالات؟



تكهّنات كثيرة لاجتماع كبير وغير مسبوق. أكثر من 800 جنرال أو أميرال أميركي (من نجمة إلى 4 نجوم) منتشرون في أنحاء العالم من آسيا إلى الشرق الأوسط، اجتمعوا بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب في جامعة مشاة البحرية في كوانتيكو بولاية فرجينيا، بأمر من وزير الدفاع بيت هيغسيث.
ترامب، القائد الأعلى للقوّات المسلّحة، قال قبل اللقاء: "أريد أن أخبر الجنرالات أنّنا نحبّهم وأنّهم قادة محل تقدير، وأن عليهم أن يتحلّوا بالقوّة والصلابة والذكاء والرحمة. هذا كلّه يتعلّق بروح الجماعة. حان الوقت ليفعل أحد ذلك". وحذّر من أن الولايات المتحدة تشهد "حرباً من الداخل بسبب الجرائم والهجرة"، مشيراً إلى أنّه "يعيد إحياء روحية المحارب".
وأشارت التقديرات إلى أن أكلاف الاجتماع راوحت بين 3.4 و6 ملايين دولار لتغطية السفر، النقل، الإقامة، الأمن، ونفقات إضافية. فماذا تحضّر وزارة الحرب مع هذا الاجتماع؟ وماذا بعده؟
"إمّا أن تلتزموا وإما أن تغادروا"!
قالها بوضوح أحد المسؤولين العسكريين وفق موقع "بوليتيكو": "هيغيسث يريد أن يوضح للجميع ضرورة التجديف في الاتّجاه نفسه وإلّا سيواجهون عواقب على مسيرتهم المهنية". باختصار: "إمّا أن تلتزموا وإما أن تغادروا"!
خلال الاجتماع، ذكر هيغسيث بأن على الجيش "معالجة تدهور استمر عقوداً"، مندّداً بإيديولوجية "اليقظة" (ووك) داخل المؤسسة العسكرية.
وأعلن توجيهات لعناصر الجيش بوجوب تحسين اللياقة البدنية وقص الشعر وحلاقة اللحى. وقال إن كل العسكريين من كل الرتب في الجيش الأميركي سيخضعون لاختبار اللياقة البدنية مرّتين في السنة، لافتاً إلى أن "رؤية جنرالات وأدميرالات بدناء في أروقة البنتاغون أمر غير مقبول".
وشدّد على أنّه يريد وضع حد لـ"هراء أيديولوجي" يهتم بتغيّر المناخ والتنمّر والترقيات على أساس العرق أو النوع الاجتماعي.
يشير العميد المتقاعد والخبير العسكري ناجي ملاعب إلى أن "للاجتماع بُعداً يتجاوز الأمن القومي فهو بمثابة تواصل مباشر مع القادة الكبار لإشعارهم بأن هناك تغييراً في الولايات المتحدة وفي أدائها. ترامب، كما اعتدنا منه، يطرح القضايا بأسلوب استعراضي يرفقه دائماً بتوقيت محدّد وعرض للقوّة. فحين يسعى الى تطبيق أي خطوة بسيطة، فإنّها تقترن دائماً بإظهار القوّة".
ويرى في حديث الى "النهار" أن "عرض القوّة هذا يحتاج إلى تفاهم مع القواعد الأميركية المنتشرة حول العالم، كي تكون جاهزة وفاعلة. ولا ننسى أن ترامب أعلن في بداية ولايته أن القواعد الأميركية لن تستمر في حماية الدول من دون مقابل، وأن زمن الحماية المجانية قد انتهى. وبالتالي، فإن على حلفاء الولايات المتحدة، وخصوصاً في أوروبا، رفع مستوى إنفاقهم الدفاعي من نِسب متدنية (0.9%) إلى قرابة 3% من الناتج القومي، انسجاماً مع متطلّبات الناتو".
انقسام ومخاوف
من جهّتها، تحدّثت صحيفة "واشنطن بوست" عن "انقسام داخل البنتاغون. فقادة عسكريون كبار بينهم رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كاين، أعربوا عن قلقهم من استراتيجية الدفاع الوطنية الجديدة التي يعدّها وزير الدفاع، مع وجود تغييرات في الأولويات، إذ أنّ الخطّة تركّز على حماية الأراضي الأميركية والتهديدات الداخلية، مع تقليص المنافسة مع الصين والتقليل من أهمية الدور الأميركي في أوروبا وأفريقيا".
وتحدّثت أيضاً عن "قلق من إعادة الهيكلة وتغييرات بالقيادة، فالجنرالات يخشون عمليات طرد واسعة وإعادة تنظيم في هيكل القيادة العسكرية. بالإضافة إلى سحب قوّات وإعادة دمج قيادات عسكرية، ما يثير مخاوف لدى حلفاء واشنطن في أوروبا خصوصاً وسط الحرب الروسية في أوكرانيا".
"الحزب الحاكم"
إلى ذلك، يلفت ملاعب إلى أن "الولايات المتحدة تمتلك انتشاراً عسكرياً واسعاً يتجاوز 900 قاعدة ونقطة خارج أراضيها، ويُقدّر العدد الفعلي بأكثر من 950 موقعاً. هذا الانتشار يجعل ضباط هذه المواقع وقادتها ينتقلون، مع الوقت، من العمل العسكري الميداني إلى العمل الاستراتيجي ومن مكاتب الدراسات والأبحاث إلى مواقع السلطة والأحزاب وهكذا يصبح بعضهم وزراء أو مسؤولين في الإدارة، سواء كانت ديموقراطية أو جمهورية".
ويوضح: "من هنا إن تأثير الحزب الحاكم على هؤلاء القادة يُعتبر مهمّاً جداً، أولاً لمستقبل الحزب نفسه وثانياً لأن تغيير تسمية وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب يحمل دلالة واضحة على نيّة تبنّي نهج مختلف، يجب أن يُشرح للقادة العسكريين المنتشرين في العالم". وقال: "هذا الاجتماع يأتي خطوة لتعزيز الحضور الأميركي وإبراز مزيد من القوّة، إضافة إلى إطلاع ترامب شخصياً على التحدّيات التي تواجه هذه القواعد المنتشرة في العالم، وتجديد الدعم لها".
بجملة عبر "إكس"، ردّ وزير الحرب على المخاوف المتعلّقة بالاجتماع، عندما كتب الجنرال المتقاعد بن هودغز أن "الجنرالات الألمان استدعوا لاجتماع مفاجئ عام 1935 وأجبروا على أداء قسم الولاء الشخصي للفوهرر (القائد-هتلر)"، فكان جواب هيغسيث: "قصّة رائعة، جنرال". فماذا ينتظر واشنطن بعد في ظل قيادة ترامب؟