الادعاء على كومي… حلقة في سلسلة طويلة من انتقامات ترامب

لا ينسى دونالد ترامب من يسيء إليه، ولا يغفر له. مدير مكتب التحقيقات الفدرالي السابق جيمس كومي يقع في رأس لائحة الذين لم ينسهم الرئيس الأميركي ولم يغفر لهم. ومع أنه بلّغه بطرده بأكثر الطرق إهانة في عام 2017، عبر الإعلام وخلال وجوده في أحد مراكز المكتب متحدثاً إلى مرؤوسيه، إلا أن "ذنوب" كومي بعدم احترام رئيسه حينها، وفتح تحقيق بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية، ونشره كتاباً عن صراعه مع ترامب عبّر فيه بقسوة عن رأيه فيه والتحذير من خطره، لا تُغتفر بالنسبة للرئيس الذي اضطر إلى تقريع وزيرة العدل بام بوندي عبر وسائل التواصل بسبب بطء سير العدالة، محدداً كومي والسيناتور الديموقراطي آدم شيف والمدعية العامة في نيويورك ليتيشيا جيمس، وحاكماً بأنهم "مذنبون تماماً، لكن لا شيء سيتم فعله".
هكذا، وبسحر ساحر، فتح الطريق السريع أمام العدالة. في 22 أيلول/سبتمبر الفائت استقال إريك سيبرت، المدعي العام الجمهوري المعين من ترامب، بعد الضغط عليه للادعاء على كومي الذي لم ير سيبرت أدلة كافية لتوجيه اتهامات إليه. في اليوم التالي عيّن ترامب ليندسي هاليغان، محاميته الشخصية السابقة في منصب لا خبرة سابقة لها فيه. وبعد يومين فقط، قدمت هاليغان قضية وزارة العدل ضد كومي أمام هيئة محلفين في مدينة ألكساندريا Alexandria في فيرجينيا فوافق 14 من 23 محلفاً على اتهامين تصل عقوبة كل واحد منهما إلى خمس سنوات سجن. الأول هو الإدلاء بتصريحات كاذبة أمام لجنة القضاء في مجلس الشيوخ، والثاني هو عرقلة تحقيق هذه اللجنة بسبب كذبه.
الادعاء على كومي لم يكن يحتمل التأجيل إلى ما بعد 30 أيلول، أي تاريخ مرور خمس سنوات على الشهادة التي أدلى بها كومي أمام الكونغرس في عام 2020، لأن الاتهامين يخضعان لمهلة التقادم.
هذان الشفافية والوضوح في تدخل إدارة ترامب بالقضاء، وبوزارة العدل التي جرى العرف أن تكون شبه مستقلة عن المكتب البيضوي، دفعت الديموقراطيين إلى وصف ما حدث "بالهجوم المخزي على سيادة القانون" كما قال زعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز، وقال السيناتور الديموقراطي عن فيرجينيا مارك وارنر إنه يوم حزين لنظامنا القضائي، حين لا يجد مدع جمهوري (سيبرت) حالة موثقة ضد كومين يدفعه ترامب إلى الخروج ليعين مكانه من ينفذ رغبته.
الجمهوريون، وإدارة ترامب، يقولون إن "لا أحد فوق القانون"، وهو التعبير نفسه الذي كان يستخدمه الديموقراطيون في التهم التي وجهت سابقاً لترامب والأحكام التي تلقاها.
هلّل ترامب للادعاء على كومي، "الفاسد" وأحد "أسوأ البشر الذين مروا على أميركا"، مبشراً آخرين لم يذكر أسماءهم بأن دورهم آت، وإن قال إنه لا "لائحة" بالأسماء.
كومي الذي أطل في فيديو بدا واثقاً من براءته ومرحباً بالمحاكمة التي ستظهرها، قائلاً إنه وأفراد عائلته يعرفون أن هناك ثمناً للوقوف في وجه ترامب، ولن نعيش (راكعين) على ركبنا. أنتم أيضاً (متوجهاً إلى الأميركيين) يجب ألا تفعلوا ذلك.
في جلسة المحكمة الأولى في 9 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، سيُتلى الاتهامان على كومي ليدفع ببراءته وتحدد الخطوات التالية في محاكمة المدير السابق الذي كان واحداً من أكثر الناس نفوراً من ترامب، والعكس صحيح. آخرون أيضاً باتوا ينتظرون إجراءات مماثلة ضدهم، في لائحة لا شك طويلة من خصوم الرئيس الذي لم يكن ضنيناً يوماً بالتعبير عن الرغبة بالانتقام كحق مشروع، إن بالطرد، لمن استطاع طردهم، أو عبر وزارة العدل. هذا في وقت يستمر كاش باتيل، المدير الحالي لمكتب التحقيقات الفدرالي بتطبيق رغبات الرئيس بحذافيرها، ومنها طرد عشرين من عملاء المكتب ظهروا قبل خمس سنوات في صورة راكعين مع متظاهرين احتجاجاً على مقتل جورج فلويد، الذي كان سبباً في إشعال حركة حياة السود مهمة، ألد أعداء ترامب من دون منازع.
وبطرد هؤلاء، يكمل باتل "تنظيف" المكتب من الفساد والانحياز السياسي بعدما طرد الشهر الفائت أربعة مسؤولين كبار ممن شاركوا في تحقيقات سابقة ضد ترامب في أحداث 7 كانون الثاني/يناير، أو قضية الوثائق السرية التي احتفظ فيها ترامب في منتجعه مارالاغو. وفي هذه التحركات على الاتجاهات كافة ما يوحي بأن ترامب الذي لا ينسى ولا يغفر، ماضٍ في انتقامه.