علاقة ترامب الجدلية بالأمم المتحدة... مقاربة استثنائية لرجل غير تقليدي!
ثمّة إجماع على أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رجل استثنائي غير تقليدي وغير قابل للتوقع. لم ينتسب إلى نادي الرؤساء التقليديين، ولم يمارس السياسة بشكل مألوف، بل اعتاد على طبع أسلوبه "الترامبي" خلال مقارباته. الأمم المتحدة لم تشذ عن قواعد ترامب، وخلال ولايتيه الأولى والثانية، كانت رؤيته للمؤسسة الأممية جدلية إلى حد بعيد.
لا يقيم ترامب الوزن المفترض للأمم المتحدة، والإجراءات التي يتخذها حيالها تثبت هذا الواقع. لم يتردد ترامب في قطع التمويل عن العديد من وكالات ومؤسسات الأمم المتحدة، والانسحاب من بعض منظماتها، وحينما اقتضت المصلحة الأميركية، منع أحد مشاركي الجمعية الأمم المتحدة، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، من الحضور إلى الولايات المتحدة.
كثيرة المحطات التي قلّل ترامب من شأن الأمم المتحدة وفعالياتها. استخدم الرئيس الأميركي عبارات خرجت عن السياق الديبلوماسي، فقال إن الدول "ستتجه نحو الجحيم"، وسخر من قدرة الجمعية العامة والمشاركين على إحداث الفرق بعالم السياسي، فقال إن كل ما يفعلونه هو "كتابة خطابات" قوية، لكنها "فارغة".
تقول مجلة "بوليتيكو" لو أراد ترامب دعم الأمم المتحدة لفعل ذلك وساعدها على الوصول إلى الهدف، لكنه بدلاً من ذلك، اتخذ خطوات تضعفها مثل حجب الأموال. لم يسر ترامب بروحية الأمم المتحدة التي تقضي إيجاد الحلول للنزاعات، فلم يطرح رؤى دولية أو أطراً للتعاون، بل اتجه أكثر نحو الخطابات التصعيدية والانتخابية بشكلها.
الباحث والمحلل السياسي في الشأن الأميركي وشؤون الشرق الأوسط توفيق طعمة يرى أن ترامب يتعاطى مع الأمم المتحدة بعقلية "رجل الأعمال" لا "رجل الدولة"، انطلاقاً من الخلفية التي جاء منها إلى عالم السياسة. وبتقدير الباحث، فإن ترامب يقيس قيمة الأمم المتحدة بما تقدمه من منافع مباشرة للولايات المتحدة، وليس بدورها في صياغة نظام دولي متوازن.
لا يراعي ترامب أعرافاً ديبلوماسية وأطر تعامل سياسية، وقد ظهرت هذه الميّزة خلال علاقاته مع الحلفاء قبل الخصوم. كانت أوروبا أبرز القلقين من عودة ترامب خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، كونه ينطلق من المصلحة الأميركية أولاً ووحيدة، دون مراعاة مصالحة الحلفاء وحساباتهم، كون مقياسه المنفعة الأميركية فقط، وليس الدولية.
يستطرد طعمة في هذا السياق، فيقول لـ"النهار" إن مقاربة ترامب مبنية على منطق "الصفقات والربح والخسارة: إذا لم تكن الأمم المتحدة تخدم واشنطن بشكل واضح، فهي عبء مالي وسياسي". ومن هذا المنطلق لجأ الرئيس الأميركي إلى قطع أو تخفيض تمويل العديد من وكالات الأمم المتحدة، والتعاطي معها بطريقة غير تقليدية ومعاكسة لأساليب رؤساء آخرين.

منطق الصفقات يتكامل مع عامل آخر يسكن في إحدى زوايا عقل ترامب، وهو إيديولوجيته اليمينية المحافظة والانعزالية في شق منها، "ترفض" فكرة التعاون الدولي الجماعي، وفق طعمة، و"تفضّل" التفاوض الثنائي الذي يسمح له بأن يكون أكثر قوّة وقدرة، وقد أثبت ترامب خلال فترات حكمه أنه يفضّل أن تكون الولايات المتحدة الطرف الراعي للتسويات، وليس الأمم المتحدة.
العامل الإسرائيلي لا يغيب عن معادلة العلاقة بين الأمم المتحدة وترامب. خلال حرب غزّة، لم يكن موقف الأمم المتحدة مستحباً لدى إسرائيل، خصوصاً في ما يتعلق بالاعترافات بالمجاعة وقتل المدنيين، وفي هذا السياق، فإن طعمة يشير إلى أن ترامب يرى أن الأمم المتحدة "منحازة" ومعرقلة لسياسات أميركا وإسرائيل.
في المحصلة، فإن علاقة ترامب الجدلية بالأمم المتحدة محطة ديبلوماسية وجب التوقف عندها عند مقاربة علاقات ترامب بالمجتمع الخارجي، وخصوصاً تجمعات الدول، كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. والمعيار الذي يستند إليه ترامب في علاقاته هو المصلحة الأميركية أولاً وأخيراً، والتي تندرج ضمنها المصلحة الإسرائيلية.
نبض