"هوليوود" أكثر جرأة في انقسامها السياسي… من "فلسطين حرة" إلى "مقاطعة إسرائيل"
"فلسطين حرة"... هتفت هانا آينبندر ودوى التصفيق في مسرح بيكوك في لوس أنجليس. الممثلة التي أنهت خطابها للتو بعد تسلمها جائزة إيمي لأفضل ممثلة مساعدة، دفعت إلى سطح "السوشال ميديا" الانقسام السياسي الذي تعيشه صناعة الترفيه في الولايات المتحدة، أو ما يُصطلح على تسميتها "هوليوود".
هذه الفقاعة الهائلة التي تضخ مئات مليارات الدولارات في الاقتصاد الأميركي لم تكن يوماً خارج السياسة، بل غالباً ما تكون في قلب الأحداث الجارية. وهوليوود المتهمة بانحيازها إلى القيم الليبرالية، لطالما كانت أصوات نجومها المعترضين على السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة أكثر وصولاً الى الأميركيين من تلك التي يطلقها السياسيون، بغض النظر عن القدرة على التأثير.
ما فعلته آينبندر يحتاج، مع ذلك، إلى جرأة عالية، إذ يأتي من ممثلة شابة يهودية في الثلاثين من عمرها، هتفت بتعبير يصنفه اليمين الأميركي بأنه معاداة للسامية، وفي ظل إدارة ترى في انتقاد إسرائيل والصهيونية سبباً لإلغاء تأشيرات على أنواعها وصولاً إلى إلغاء الإقامة الدائمة. وهو التعبير نفسه الذي رأى الكوميدي والممثل اليهودي الشهير جيري ساينفلد أن من ينادون به يشبهون أعضاء جماعة الـ"كلو كلوكس كلان" (KKK) العنصرية، بل أضاف على مسامع الحاضرين في الندوة التي شارك فيها في جامعة "ديوك" أن الجماعة أكثر شفافية ممن يطالبون بحرية فلسطين، التي لا تعني له، "شخصياً"، أي شيء.
وكما لم تُفتح أبواب الجحيم على النجم السبعيني المكرَّس منذ تسعينات القرن الماضي، لم تواجه الممثلة بدورها استنكاراً عاماً، في ظل انقسام هوليوود على نفسها إزاء الحرب الإسرائيلية المستمرة والتي بدأ العالم أخيراً يجرؤ على تسميتها الإبادة والتطهير العرقيين. بل إن آينبندر ذهبت أبعد من مجرد الهتاف لتقول إنها ضد فكرة إسرائيل كدولة إثنية قومية.
آينبندر لا تقف وحيدة في هذه المواجهة. فقد حرصت في الحفل على إظهار الدبوس الأحمر الذي وضعته على فستانها لراحة يد حمراء يتوسطها قلب أسود، وهو شعار حملة "فنانون من أجل وقف النار" التي أُطلقت في تشرين الأول/أكتوبر 2023 لحث جو بايدن، الرئيس حينها، على الضغط على حكومة بنيامين نتنياهو لإيقاف الحرب. وهي حملة مستمرة في جمع مئات التواقيع وتضم نجوماً من اليهود وغيرهم مثل كايت بلانشيت، وخواكين فينيكس، وبن أفليك، وبرادلي كوبر، وجنيفر لوبيز، وماركو رافالو، وسوزان ساراندون بالطبع، وهي أكثر النجوم نشاطاً ضد الحرب الإسرائيلية.

حركة أخرى دولية هي "عاملون في الأفلام من أجل فلسطين" أطلقت قبل أيام عريضة جمعت أكثر من ستة آلاف توقيع يلتزم فيها العاملون "إنهاء التواطؤ" ويطالبون بما تعتبره واشنطن، بطرفيها الجمهوري والديموقراطي، خطيئة كبرى، أي مقاطعة المؤسسات السينمائية الإسرائيلية المتورطة في الإبادة والفصل العنصري. هذه الحركة، التي استُلهمت من أخرى قديمة أقيمت ضد نظام الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا، أعلنت رفضها المشاركة في مهرجانات أو العمل مع شركات إنتاجية تبرر الإبادة أو تغطيها أو تتعاون مع الحكومة الإسرائيلية، كما تطالب الحكومات، بخاصة حكومة الولايات المتحدة، بوقف الدعم العسكري لإسرائيل.
هذه الحركة تضم نجوماً مثل إيما ستون، وأوليفيا كولمان، وخافيير بارديم، وعشرات الفائزين بجوائز أوسكار وإيمي وبافتا. وقد ذهبت خطوتين أبعد في التجرؤ على إسرائيل عبر المقاطعة وعبر تسمية فلسطين باسمها. وسرعان ما دفعت شركة "باراماونت" العملاقة إلى إصدار بيان رسمي يرفض جهود الحركة ويصفها بأنها إسكات للفنانين المبدعين الأفراد بناء على جنسيتهم، مع أن العريضة كانت واضحة في فصلها بين الأفراد الإسرائيليين وبين المؤسسات. بدورها، عبّرت إسرائيل عن قلقها من العريضة غير المسبوقة ورأت فيها تهديداً للصناعة السينمائية الإسرائيلية.
الانقسام السياسي في صناعة الترفيه الأميركية، وهي واحدة من أكثر الوسائط تأثيراً على المجتمع الأميركي، لا يقود بالضرورة إلى تغيير في سياسات الإدارة الأميركية الحالية في دعمها غير المسبوق لإسرائيل. لكن النقاش نفسه يُبقي قضية الحرب على غزة حاضرة في المجتمع الأميركي الشاب، الذي تحتل هوليوود حيزاً واسعاً من خياله كما من رؤيته لبلده وللعالم. وقد أجّج صعود اليمين إلى السلطة فضوله السياسي، الذي باتت غزة، على أبواب العام الثالث من الحرب عليها، في مقدمة عناوينه.
نبض