شيطان التفاصيل في ضمانات أوكرانيا الأمنية

يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل بمنح أوكرانيا ضمانات أمنية مقابل انخراطها في عملية سلام. بالمقابل، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن التفاصيل ستتحدد في غضون أسبوع إلى عشرة أيام تقريباً.
يدور الحديث الأساسي حالياً عن حصول كييف على ضمانات "شبيهة بالمادة الخامسة" من الميثاق التأسيسي للناتو، والتي تنص على اعتبار الهجوم على أي دولة "أطلسية" هجوماً على كل دول الحلف.
الآن، إلى شيطان التفاصيل
طالما أكد ترامب مؤخراً أن انضمام أوكرانيا إلى الناتو ليس مطروحاً على طاولة النقاش، ثمة أسباب وجيهة للتساؤل عن منحها حق التمتع بمزايا المادة الخامسة. في نهاية المطاف، يبقى جوهر النادي الأطلسي الالتزام بالدفاع الجماعي وهو الجاذب الأول لأي دولة كي تطلب الانضمام إلى الحلف. بشكل كبير، لم يعد الناتو طريقاً لانضمام دول الاتحاد السوفياتي السابق إلى ثقافة ومؤسسات العالم الغربي، كما كان الأمر عليه مطلع التسعينات وبداية الألفية الحالية. لم يكن أحد يشك مثلاً في انتماء السويد وفنلندا إلى الغرب الثقافي قبل انضمامهما إلى الناتو. كان الشك في ما إذا كانت الدولتان ستحظيان بالحماية العسكرية الأميركية إذا تعرضتا لهجوم روسي.
بمعنى آخر، من دون المادة الخامسة، يفقد الناتو جاذبيته الأساسية. وبالمثل، بوجود ضمانة تشبه ضمانة المادة الخامسة، تصبح أوكرانيا عضواً غير مباشر في الحلف، وبالتالي تفقد الحاجة الملحّة إلى الحصول رسمياً على العضوية. بمعنى معيّن، الناتو هو الوسيلة التي تبرر الغاية: المظلة الدفاعية. لن تفوت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه الملاحظة.
فهل يقبل بها؟
السؤال بلاغي، لأنه من غير المرجح أن يقبل بوتين بضمانة كهذه. صحيح أن الموفد الخاص ستيف ويتكوف قال إن الروس قبلوا بذلك، لكنْ لدى ويتكوف سجل من الالتباس في فهم ما يطلبه الروس، أو أن لدى الروس سجلاً في التراجع عما قالوه له.
في نهاية المطاف، لم تتكبد روسيا مئات الآلاف من الخسائر لكي تعود إلى نقطة الصفر. تحدث بوتين في ألاسكا عن نوع من الضمانات لأوروبا على طريق السلام، لكنه بالتأكيد لم يقصد ضمانة شبه أطلسية لأوكرانيا. يمكن ترجيح أن يكون المقصود ضمانة من روسيا نفسها، بالرغم من أن التجارب الماضية مع الضمانات الروسية غير مشجعة لأوكرانيا.
صحيح أن الضمانة الأطلسية لا تنص بالضرورة على إرسال قوات برية إلى الأرض المحتلة، بل بالحد الأدنى، على اتفاق بين دول الناتو بشأن كيفية التنسيق لدعم الدولة الخاضعة للغزو. بالتالي، حتى لو اتفقت أوروبا مع ترامب على مد أوكرانيا بالسلاح والمال في المستقبل، سيثير هذا الاتفاق شكوكاً إضافية في الكرملين.
نصيحة أدميرال سابق
للتذكير، لا يريد بوتين منع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو وحسب، بل يريد أيضاً أن تضع سقفاً لعديد قواتها. من المرجح أن يضمن بوتين تكريس المطلب الأخير قبل البحث في الضمانة الأمنية؛ فخفض حجم الجيش الأوكراني يفرض، بحسب منطق الأمور، خفض الدعم العسكري لكييف بما يتناسب مع العدد المحدود لقوتها البشرية والنارية.
وفي حال أرسلت أوروبا قوات ضامنة إلى أوكرانيا فستظل بحاجة إلى "شبكة أمان" أميركية كما قالت لندن. غير أن أميركا مترددة حيال جهد ميداني كهذا.
إذاً، يسهل الحديث عن ضمانات أمنية، لكن يصعب جداً تحديدها. فالتفاصيل هي ملعب الشيطان المفضّل. لكن أيضاً كما قال الأدميرال الأميركي الأسبق هايمان ريكوفر:
"الشيطان يكمن في التفاصيل، وكذلك الخلاص".