ما بعد ألاسكا: بوتين منتشياً بالنصر ومكسب وحيد لزيلينسكي
بالنسبة إلى روسيا، شكّلت نتائج قمة ألاسكا بين رئيسها فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترامب نقطة تحول في علاقاتها بالولايات المتحدة، خصوصاً بعد تراجع ترامب عن مطلبه وقف القتال في أوكرانيا. وبالنسبة إلى المسؤولين الروس، الاستقبال الحار الذي خصّ به ترامب بوتين يوم الجمعة يفتح الباب أمام إبعاد أميركا عن حلفائها التقليديين في أوروبا.
وقال أندريه كليشاس، السيناتور الروسي البارز، عقب القمة لصحيفة "واشنطن بوست": "ثمة هندسة جديدة للأمن الأوروبي والدولي على بساط البحث، وعلى الجميع القبول بهذا الأمر". بعد ساعات قليلة من القمة، تخلّى ترامب عن موقفه السابق: وقف شامل لإطلاق النار شرط أساسي لبلورة اتفاق سلام، ما يتيح لروسيا مواصلة القتال من دون خطر عقوبات أميركية، وما يضع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام خيارين: القبول بشروط روسيا أو مواجهة هجمات مفتوحة.
وتنسب الصحيفة الأميركية إلى ثلاثة مصادر مطلعة قولها: "أبلغ ترامب زيلينسكي والقادة الأوروبيين أن بوتين طلب أن تتخلى أوكرانيا عن إقليم دونباس، بما فيه منطقتا لوغانسك ودونيتسك، إلى جانب أراضٍ أخرى تحتلها روسيا". ووفق مصدرين مطلعين، أوضح ترامب أنه انتقل من المطالبة بوقف إطلاق النار إلى التفاوض على اتفاق سلام شامل، ومع زيلينسكي قبل انضمام القادة الأوروبيين إلى الاتصال. لكن محللين عسكريين يشيرون إلى أن روسيا لا تسيطر على 3500 ميل مربع من دونيتسك، وهو قطاع محصّن يتمتع بأهمية استراتيجية لدفاع أوكرانيا ضد الهجمات الروسية المستقبلية.
وقال أحد المسؤولين إن ترامب أبلغ زيلينسكي أن بوتين "مستعد للتعهد" بإنهاء الحرب وعدم شن حروب أخرى مقابل دونباس والأراضي الأوكرانية التي استولى عليها، فرفض زيلينسكي التخلي عن شبر من أرض أوكرانيا.
الاتصال المتوتر
بوتين المنتشي بما جرى في ألاسكا قال لكبار المسؤولين الروس السبت: "اللقاء يقربنا من القرارات الصائبة". وأفاد مسؤول ثانٍ بأن اتصال ترامب بزيلينسكي والقادة الأوروبيين (شارك فيه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف وزعماء فرنسا وألمانيا وفنلندا وإيطاليا وبريطانيا وبولندا وحلف الناتو والمفوضية الأوروبية) كان أكثر توتراً من اتصاله السابق مع الأوروبيين.
وما عقّد المشكلة في كييف هو تشكيك الكرملين السبت في النتيجة العلنية الوحيدة للقمة التي لبّت جزئياً مطالب أوكرانيا، وهي وعد ترامب بعقد اجتماع ثلاثي مع بوتين وزيلينسكي، إذ أكد يوري أوشاكوف، مساعد بوتين البارز، أن مثل هذا اللقاء لم يُطرح، والكرملين يرفض رفضاً قاطعاً أي لقاء مع زيلينسكي قبل المراحل الأخيرة من المفاوضات.
واعتبر مسؤولون روس نتائج القمة أوسع من الحرب في أوكرانيا، واصفين إياها بإعادة اصطفاف عالمي يجمع بين أكبر قوتين نوويتين. فعدد ديمتري مدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، إنجازات روسيا في القمة، مبرزاً إعادة العلاقات مع واشنطن إلى مستوى الندية، وكتب: "أعيد تفعيل آلية الاجتماعات بين روسيا والولايات المتحدة على أعلى مستوى، من دون إنذارات أو تهديدات"، مضيفاً أن بوتين لم يتنازل فيما تراجع ترامب عن تصعيد الضغط عبر العقوبات، ما يسمح لروسيا بمواصلة القتال في أوكرانيا. ورأى أن "أهم إنجاز للكرملين هو أن الجانبين حمّلا كييف وأوروبا مباشرةً المسؤولية عن تحقيق النتائج المستقبلية للمفاوضات بشأن وقف الأعمال القتالية".
رغم كل ذلك، شعر قادة أوروبا وكييف بالارتياح لأن ترامب لم يُجبر على الفور على اتفاق يتضمن تسليم أراضٍ أوكرانية لروسيا. وقال رئيس الوزراء السويدي السابق كارل بيلدت: "من وجهة النظر الأوروبية، أفضل ما يمكن قوله عن الاجتماع أنه كان يمكن أن يكون أسوأ".
نبض