أميركا وروسيا... سجل أزلي من إعادة ضبط العلاقات

هي من بين العلاقات الدولية القليلة التي خضعت لهذا الكم من إعادة الضبط، ومن دون جدوى. الآن، وعلى مشارف قمة ألاسكا بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، ثمة محاولة جديدة لتحقيق هذا الهدف. تكمن المشكلة في أن الماضي قد يطغى على الحاضر.
ما قبل بوتين
بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، عمل الرئيس الأسبق جورج بوش الأب مع روسيا على ضمان عدم انتشار الأسلحة النووية، فوقعا على "مذكرة بودابست". سحبت المذكرة السلاح النووي من أوكرانيا مقابل حصول الأخيرة على ضمانات من واشنطن وموسكو ولندن باحترام حدودها. لم تعمّر المذكّرة طويلاً.
وحاول الرئيس بيل كلينتون لاحقاً مساعدة نظيره الروسي بوريس يلتسين على إعادة التعافي المالي وتعزيز الديموقراطية في بلاده، كما أطلق "الشراكة الاستراتيجية الناضجة" بين البلدين. لم يدم الود طويلاً لأسباب عدة من بينها قصف الناتو لصربيا، والحرب الروسية الأولى على الشيشان.
15 سنة متأرجحة
خلال قمة سلوفينيا سنة 2001، قال بوش الابن إنه أعجب بما رآه حين نظر عميقاً في "روح" بوتين ووثق به. وكان بوتين أول من اتصل ببوش بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر. لكن بحث أميركا نشر الدرع الصاروخي الدفاعي في دول أوروبية أقلق روسيا، وفشلت محاولات تهدئة المخاوف عبر القول إن الدرع كان موجهاً ضد إيران. وفي 2008، شنت روسيا حرباً خاطفة على جورجيا.
وشهدت العلاقة الثنائية انفراجاً قصيراً بين الرئيسين باراك أوباما ودميتري مدفيديف مع توقيع الطرفين على معاهدة "ستارت" الجديدة لخفض الأسلحة النووية سنة 2009. وسرعان ما توترت العلاقات بعد انطلاق تظاهرات روسية سنة 2011 بسبب اعتراض على "تزوير" الانتخابات التشريعية، واستمرت إلى ما بعد انتخاب بوتين رئيساً. كما كان الحال سنة 2004-2005 مع "الثورات الملونة"، اعتبرت روسيا التظاهرات الأخيرة "مؤامرة" غربية. لم يساعد كثيراً إعلان وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون دعمها للمتظاهرين.
وفي آذار/مارس 2012، سُمع أوباما وهو يقول لمدفيديف إنه سيتمتع بمرونة أكبر لإعادة ضبط العلاقة مع روسيا بعد الانتخابات الرئاسية. لم يكن أوباما يدري أن مكبر الصوت مفتوح. مع ذلك، انتهى ضبط العلاقة بضم روسيا القرم ودعم الانفصاليين في دونباس الأوكرانية بعد تظاهرات أطاحت بالحليف الروسي فيكتور يانوكوفيتش. لم تواجه روسيا عقوبات قاسية أو دعماً عسكرياً من الأميركيين. ولم تواجه أيضاً أي رد أميركي ملموس على دعمها نظام الأسد عسكرياً بدءاً من 2015. كل هذا على الأرجح لنيل موافقة روسيا وإيران على الاتفاق النووي.
بين بايدن وترامب
بالرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أبدى إعجابه ببوتين إلى درجة أنه أيد كلامه في قمة هلسينكي سنة 2018 على حساب كلام استخباراته حول التدخل الروسي في انتخابات 2016، ظلت ولاية ترامب الأولى مقيدة بالكونغرس والمستشارين المتشددين. صعّد ترامب سياسته ضد موسكو في محطات عدة ومنح أوكرانيا صواريخ "جافلين".
وعقد الرئيس جو بايدن قمة مع بوتين في سويسرا أواخر ربيع 2021 قبل أن يمنح لاحقاً مشروع "نورد ستريم 2" الضوء الأخضر، في ما أمكن أن يعدّ محاولة جديدة لضبط العلاقة مع موسكو. فشلت المحاولة مع الغزو الروسي لأوكرانيا سنة 2022 وفرضت إدارة بايدن عقوبات غير مسبوقة على روسيا ومدت كييف بالأسلحة الفتاكة، ولو بشكل بطيء.
الآن، سيلتقي ترامب مجدداً مع بوتين في ألاسكا. لكن هذه المرة، "من دون راشدين في الغرفة". فهل تكون الثامنة ثابتة؟