إنذار ترامب النهائي لخامنئي

تتمثل أولوية الرئيس الأميركي دونالد ترامب القصوى في الشرق الأوسط في صياغة استراتيجية لكبح تطلّعات إيران النووية بشكل فعال، والتي يبدو أنها تتحرّك بوتيرة سريعة. وقد وقّع هذا الأسبوع مذكّرة رئاسية تؤكّد هذا الهدف وتُلزم إدارته بمنع بيع النفط الإيراني إلى دول أخرى.
ويسعى ترامب إلى توسيع اتفاقات أبراهام والدفع باتجاه استثمارات اقتصادية أميركية كبيرة في المنطقة، لكن التحدي النووي الإيراني الذي يزداد إلحاحاً قد يعيق كلاً من هذه المساعي إذا لم يتم التصدّي له.
هناك فرصة سانحة لا يمكن لترامب تفويتها. فإيران اليوم أضعف من أي وقت مضى في تاريخها الممتد على مدى 46 عاماً. فهي فقدت حليفها الوحيد في سوريا بعد انهيار نظام الأسد. كما أن شريكيها الرئيسيين الفلسطينيين واللبنانيين، "حماس" و"حزب الله"، تضرّرا بشدّة من حروبهما المدمّرة الأخيرة مع إسرائيل، ولا يزال تعافيهما غير مؤكد إلى حد كبير، الأمر الذي يضع قابلية شبكة الميليشيات الإقليمية الإيرانية للاستمرار. وقد أظهرت طهران بدورها هشاشة خطيرة في قدرتها الاقتصادية - ارتفاع معدلات البطالة، وعجز الميزانية، وارتفاع التضخم، ونقص العملة الأجنبية، وانخفاض قيمة الريال، والاستعداد العسكري بعد تبادل الاتهامات مع إسرائيل العام الماضي. وإذا كانت إيران في حالة صعود منذ سنوات، فهي اليوم بالتأكيد في حالة تراجع.
لكن المسألة التي تواجه ترامب ليست في ما إذا كان يجب الضغط أكثر على إيران لتقدّم تنازلات بشأن برنامجها النووي، بل في كيفية القيام بذلك. وبطبيعة الحال، هذه ليست مسألة جديدة؛ فهي إحدى المسائل التي واجهها الرؤساء الأميركيّون المتعاقبون منذ اكتشاف البرنامج النووي الإيراني في عام 2003. والفرق الآن هو أن ترامب يرث مجموعة من المشاكل الإيرانية التي تبدو ظاهرياً أكثر قابلية للإدارة من أي مشكلة في الماضي بسبب تزايد ضعف طهران النسبي.
ومع ذلك، لا يملك ترامب الكثير من الوقت، على الأقل من الناحية النظرية. فإيران اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى إنتاج سلاح نووي، إذ تتراوح التقديرات ما بين أسبوعين إلى بضعة أشهر. هذا بالطبع، إذا قررت القيادة في طهران السعي لامتلاك قدرة نووية علنية (بما أن البلاد هي بالفعل قوة نووية كامنة).
لذا، لن يكون الأمر صادماً إذا سارعت إيران إلى امتلاك القنبلة. فالحصول على الرادع المطلق ضد أي هجوم أميركي و/أو إسرائيلي أمر منطقي تماماً. فإيران كانت دائماً أقل شأناً من خصومها من الناحية التقليدية، والآن تبرز هذه الدونية في ظل الانتكاسات المختلفة في المنطقة. فما هي أفضل طريقة للتعويض عن نقاط الضعف تلك وتأمين النظام - وهي أولوية طهران القصوى - من الحصول على رادع لا مثيل له؟
إذاً، كيف ينبغي لترامب أن يضع حداً للتصاميم النووية الإيرانية؟ لنبدأ بما لا ينبغي عليه فعله، وهو السماح لإسرائيل بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية. سيكون ذلك أسوأ مسار عمل، وهو مسار سيكون هناك شك في فعاليته العسكرية، وسيؤدي إلى عواقب على مستوى المنطقة، وسيجرّ الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران.
ليس هناك شك في أن إسرائيل قادرة على إلحاق الضرر بأجزاء من البرنامج النووي الإيراني. فقد أظهرت الدولة اليهودية قدرة جدية في تبادلها العسكري مع إيران العام الماضي الذي وضع طهران تحت المجهر. لكن المشكلة تكمن في أن إسرائيل لا تستطيع تدمير كل البرنامج النووي الإيراني بمفردها وبدون المخاطرة برد فعل شديد من إيران، ما قد يؤدّي إلى صراع إقليمي. وتحتاج إسرائيل إلى أشكال مختلفة من المساعدة الديبلوماسية والعسكرية من واشنطن والعديد من القوى العربية لإنجاز مثل هذه المهمة المعقدة من الناحية العسكرية. كما أن دول الخليج، على وجه الخصوص، ليست في مزاج يسمح لها بالدخول في معركة مع إيران يمكن أن تنسف خططها الاقتصادية طويلة الأجل.
هذا لا يعني أن استخدام القوة غير مجدٍ أو غير ذي صلة لتحقيق نتيجة سياسية مواتية مع إيران، بل يعني أن ترامب يجب أن تكون له السيطرة الكاملة على قرار الحرب أو السلام مع إيران، وليس إسرائيل. ويعني أيضاً أن الخيار العسكري يجب أن يكون مدمجاً بالكامل في استراتيجية سياسية لكي ينجح. ويجب أن يكون رديفاً للديبلوماسية، وليس أداة قائمة بذاتها.
ومنذ ولايته الأولى، كان ترامب يفضل طوال الوقت وقف الحروب في الشرق الأوسط، وليس بدء حروب جديدة. وقال مراراً إنه لا مشكلة لديه في ازدهار إيران كدولة وتحقيق إمكاناتها طالما وافقت قيادتها على وضع حدود قابلة للتحقق منها ودائمة لبرنامجها النووي. ويريد ترامب اتفاقاً نووياً أقوى مع إيران يعالج الفجوات والثغرات في خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، والتي انسحب منها في عام 2018.
ولكن كون إيران ضعيفة لا يعني أنها ستستسلم وتسرع في إبرام اتفاق. في هذه المرحلة، ورقة إيران الحقيقية الوحيدة هي برنامجها النووي، والتخلّي عنه بدون تنازلات كبيرة من الجانب الأميركي تضمن أمن نظامها سيكون انتحاراً. وفي الوقت نفسه، سيكون من التهور أن تتجاهل إيران موقفها الاستراتيجي المتدهور وتتصرف كالمعتاد، فنحن لسنا في عام 2015 أو 2020.
في ولايته الأولى، أظهر ترامب استعداده لاستخدام القوة ضد المصالح الإيرانية في المنطقة من خلال ملاحقة كبار المسؤولين الإيرانيين عندما تسنح الفرصة. ففي كانون الثاني/يناير 2020، أمر بتوجيه ضربة ضد قائد فيلق القدس قاسم سليماني، أقوى جنرال إيراني. وقال ترامب إن سليماني "قتل أو أصاب الآلاف من الأميركيين بجروح بالغة... وكان يخطط لقتل المزيد" و"كان ينبغي القضاء عليه منذ سنوات عديدة". ومن غير الواضح ما إذا كان ترامب سيكون عدوانياً ضد المصالح الإيرانية في المنطقة كما كان من قبل، ولكن في تصريحاته الأخيرة بشأن إيران، ركز أكثر على حل قضية البرنامج النووي - وهي أولويته الرئيسية.
وقال ترامب في مذكرته الرئاسية الأخيرة إنه سيعود إلى سياسة الضغط الأقصى ضد إيران كما فعل في ولايته الأولى. وسيشمل ذلك عقوبات اقتصادية صارمة وانتشاراً عسكرياً أميركياً أكثر قوة في المنطقة. ولكن مع ضعف إيران الآن، قد لا يكون ذلك كافياً لإجبار قادتها على تقديم التنازلات اللازمة بشأن البرنامج النووي، ويبدو أيضاً أن الوقت بدأ ينفد.
هذا هو الوقت المناسب لرفع مستوى الرهان ضد النظام الإيراني الذي لم يفعل شيئاً سوى زعزعة الاستقرار ونشر الكراهية والفوضى في المنطقة منذ ولادته. ويجب على ترامب أن يوجه إنذاراً نهائياً للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي: إما التوصل إلى حل ديبلوماسي يوقف الانتشار النووي في الشرق الأوسط، أو المخاطرة بشنّ هجوم عسكري يدمّر البرنامج، وربما ينهي النظام.
بلال صعب، رئيس برنامج الدراسات الأميركية الشرق أوسطية في مركز تريندز للبحوث والاستشارات، وزميل مشارك في تشاتام هاوس، وأستاذ مساعد في جامعة جورج تاون.