"وعد ترامب" يصدم خصومه وحلفاءه: كيف يمكن القادة العرب إنهاء النقاش؟
وضع "وعد ترامب" الصادم بشأن غزة الأوساط الديبلوماسية والسياسية في واشنطن والشرق الأوسط وأوروبا أمام تساؤل رئيسي: هل الرئيس الأميركي مدرك لخطورة خطة "ريفييرا" على مشروعه هو لإحلال السلام وتوسيع "اتفاقات ابراهام"، ولا سيما مساعي التطبيع بين السعودية وإسرائيل؟
عقب سريان اتفاق وقف النار بين إسرائيل وحركة "حماس"، كان الطريق الطويل من جنوب غزة إلى شمالها أمام مشهد مهيب لمئات الآلاف من الفلسطينيين العائدين إلى منازل وأحياء ومؤسسات مدمّرة تماماً. وبعد أيام قليلة فحسب من هذا المشهد، يطرح الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، بحضور ضيفه المنتشي بحربي غزة ولبنان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تصوّراً لإنهاء الصراع يقتضي بالدرجة الأولى أن يغادر هؤلاء أرضهم ومنازلهم، بلا عودة، ليقيم فيها منتجعات وفنادق "جميلة"، تحت سيطرة أميركية.
وأمس تداول كثير من المحللين الأميركيين والتقارير الصحافية سيناريوات عدة للخطة وكيف نشأت، بين من ينسبها إلى ترامب نفسه الذي "اقتنع بأن لا أحد يقدّم أفكاراً جديدة لغزّة"، ومن يستعيد تصريحات مسجلة لصهره جاريد كوشنر – المستتر في الولاية الثانية لترامب – خلال ندوة في جامعة هارفرد العام الماضي، يقول فيها إن الواجهة البحرية لغزة "قيّمة" عقارياً. ويضيف آخرون إلى ذلك أن المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف عاد إلى ترامب بخلاصة واضحة: العيش في قطاع غزة مستحيل.
لكن إلى أي مدى يمكن أن يكون الحلّ بنقل سكان القطاع جميعاً إلى أراضي دول أخرى؟ هل هذه خطة واقعية وجدّية من الإدارة الأميركية؟
يقول المتحدث السابق باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي لـ"النهار": "لا، إنها ليست خياراً سياسياً جاداً للولايات المتحدة، لكنها تشير إلى أن الرئيس ترامب من غير المحتمل أن يدخل في أي حوار هادف مع القادة الإقليميين لإنشاء طريق نحو إقامة دولة فلسطينية".
ومسألة الدولة الفلسطينية هي واحدة من أبرز النقاط الشائكة التي أقحمها ترامب في الحديث عن تصوّره للحلّ في المنطقة، إذ قال إن السعودية لا تشترط للتطبيع مع إسرائيل إنشاء دولة فلسطينية، وهو ما سارعت الرياض إلى نفيه مؤكدة أنها "لن تتوقّف عن عملها الدؤوب في سبيل قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية"، وأنّ "المملكة لن تقيم علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل بدون ذلك"، وفق بيان للخارجية السعودية.
ولعلّ أكثر ما أثار الحيرة والصدمة في الأوساط الديبلوماسية أن طرح ترامب بشأن غزة يأتي في سياق مغاير تماماً لمساعيه نحو توسيع "اتفاقات ابراهام" وضمّ مزيد من الدول العربية إليها، ولا سيما المملكة العربية السعودية، فإلى أي حدّ سيؤثّر طرحه سلباً على هذه الجهود؟ يجيب كراولي: "في غياب مفاوضات جادة تُحدد طريقاً نحو إقامة دولة فلسطينية، لن يكون ثمة تطبيع للعلاقات بين السعودية وإسرائيل. في الواقع، تعليقاته بشأن غزة تعطي الضوء الأخضر لمزيد من التعديات على الأراضي الفلسطينية، مما يجعل فرص إقامة دولة فلسطينية أكثر صعوبة".
ولا يستبعد خبراء في واشنطن أن يبدأ ترامب تراجعاً تكتيكياً عن "مشروع ريفييرا"، وخصوصاً مع الرفض العربي والأوروبي الذي ووجه به. ويذكّرون في هذا السياق بتصعيده التجاري مع المكسيك وكندا، ثمّ تراجعه في بعض النقاط التي أتاحت التوصل إلى تفاهمات بشأن إرجاء رفع الرسوم الجمركية شهراً، مع استمرار الغضب بشأن تصريحاته حيال ضمّ بنما وغرينلاند وكندا.
وقبل لقائه المفصلي مع نتنياهو مساء الثلاثاء، الذي أعلن فيه "وعده" لإسرائيل بإنهاء وجود الفلسطينيين في غزة، كان ترامب تحدث بثقة مطلقة عن أن الأردن ومصر ستقبلان حتماً طلبه استقبال الذين سيُخرجهم من غزة. "ستفعلان"، قال رداً على سؤال عن كيف سيتصرف في حال رفضتا. وبعد أيام قليلة سيحلّ العاهل الأردني عبدالله الثاني ضيفاً في البيت الأبيض، ويُرجّح أن يصل بعده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهما سيكونان أمام أكثر اللحظات التاريخية صعوبة في مواجهة رئيس أميركي يستند إلى قناعته بحلّ لم يكن يحلم به حتى الإسرائيليون أنفسهم، فهل ستنجح ضغوطه عليهما في إقناعهما بقبول ما يطرحه وإن معدّلاً؟
يقول كراولي في حديثه لـ"النهار": "يقترح دونالد ترامب أن مليوني شخص سيغادرون غزة طوعاً. ناهيك عن أنهم ليسوا مهتمّين بمغادرة أراضيهم، وبالتالي التخلي عن تطلعاتهم المشروعة لإقامة دولة فلسطينية، ولكن إلى أين سيذهبون؟ سيكون من السهل على القادة الإقليميين الردّ عليه. إذا كانت هذه فكرة جيدة للغاية، السيد الرئيس، فعليك أن تستقبلهم في الولايات المتحدة. وهذا سينهي النقاش".
نبض