هل سيتّسم العالم بـ"القارّويّة" في عهد ترامب؟

سيناريو، على الأغلب، ينبئ بالمشاكل.
هل سيتّسم العالم بـ"القارّويّة" في عهد ترامب؟
الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال حفل التنصيب (أ ب)
Smaller Bigger

لا يزال مصرّاً عليها. دونالد ترامب يريد قناة بنما. لم تكن تصريحاته السابقة عن استعادة السيطرة عليها مجرد كلام شعبوي أو تعبوي على الطريق إلى البيت الأبيض. بمجرّد إيراده للفكرة في خطاب التنصيب، أكد أن هدفه جدي، وأكثر: "علاوة على كل ذلك، تشغّل الصين قناة بنما ونحن لم نعطِها للصين، لقد أعطيناها لبنما، وسنستعيدها".

 

بعد خطاب التنصيب، وحين كان يوقع عدداً من الأوامر التنفيذية بمناسبة انطلاق ولايته الثانية، عاد ترامب وذكر مسعاه للحصول على جزيرة غرينلاند من أجل أغراض "الأمن الدولي". وقال: "أنا متأكد من أن الدنمارك ستوافق – إنها تكلفهم الكثير من المال للحفاظ عليها".

 

يدخل ترامب ولايته الثانية من موقع قوة داخلية وخارجية حيث بدأ العالم يتكيّف منذ فترة طويلة نسبياً – منذ أواخر 2023 بالحد الأدنى – مع عودة ترامب. فائض القوة هذا يمنح الرئيس الحافز على إطلاق تصريحات جريئة. لكن يصعب إرجاع النوايا التوسعية إلى حماسة ظرفية. ثمة نظرة جيوسياسية تختمر لدى الرئيس الجديد، أو على الأقل، لدى فريق الأمن القومي لديه. في جميع الأحوال، لا تريح هذه النظرة الحلفاء. لكن بالحد الأدنى، بات بإمكان هؤلاء القدرة على قراءة أفكار الرئيس الجديد. ما كان سلوكاً غير قابل للتنبؤ به بات ملامح لسياسة جديدة.

 

أستاذ كرسي هنري كيسنجر المتميز في كلية الدراسات الدولية المتقدمة التابعة لجامعة "جونز هوبكينز" هال براندز طرح معالم هذه السياسة في شبكة "بلومبرغ" منذ أقل من أسبوعين. في الإطار الزمني، ترجع سياسة ترامب إلى القرن التاسع عشر بحسب الكاتب. "من الخطأ تجاهل هذا باعتباره تبجحاً ترامبياً أو مضايقة ديبلوماسية: سخرياته هي معاينة للقاروية (continentalism) الجديدة التي من المحتمل أن تلون سياسته الخارجية".

 

ما هي القاروية؟

تاريخياً، تحدّت القاروية المستندة إلى "التفكير في المساحات الكبيرة" مفهوم التفكير في الدولة-الأمة على أنها اللاعب المحوري على الساحة الدولية. هي استندت إلى الغائية (teleology) الجغرافية المرتبطة بالتوحيد السياسي ضمن حدود "القارة".

 

يمكن إيجاد جذور التفكير القاروي الحديث في "مبدأ مونرو" الذي تحدث عنه الرئيس الأسبق جيمس مونرو في خطاب أمام الكونغرس سنة 1823 حين شدّد على صدّ القوى الاستعمارية الأوروبية عن التدخل في شؤون القارة الأميركية. بهذا المعنى، كانت أميركا الساحة الأوسع لهامش الطموحات الخارجية للولايات المتحدة.

 

لا ينفي ذلك نظريات سياسية أخرى تعيد القاروية إلى حقبات أقدم، وتحديداً في القرنين السادس والسابع عشر، حيث طوّر البريطانيون "نظرة قاروية للجيوبوليتيك" والتي صورت بريطانيا كضامن للحقوق الأوروبية بمواجهة الطموحات الإسبانية والفرنسية لملكية عالمية.

 

وانطلاقاً من بدايات القرن العشرين، شهدت أوروبا أفكارها القاروية التوسعية مع مفكّرين مثل هالفورد ماكيندر (المملكة المتحدة) وفريدريك راتزل وكارل هوشوفر (ألمانيا) وغيرهم.

 

بعد الحرب العالمية الثانية، تراجع التفكير القارّوي بصيغته التوسعية العسكرية لتحل مكانه الطموحات الأكثر سلمية، كما كانت الحال مع الاتحاد الأوروبي. لاحقاً، عاد التفكير القاروي ليأخذ شكلاً أقلّ سلمية في بعض الأحيان، كما حصل مع أفكار الفيلسوف الروسي ألكسندر ديوغين الذي تحدث عن "المشروع الأوراسي" والذي حظي، ولو موقتاً، باهتمام النخب السياسية في روسيا. تزامن ذلك بالتحديد مع ضم شبه جزيرة القرم وتدخل روسيا العسكري في سوريا. حتى الصين حظيت باهتمام خاص ضمن تجدد الحديث عن هذا المفهوم، مع إطلاقها مشاريع تنموية في آسيا وأوروبا، وفي مقدمتها "مبادرة الحزام والطريق".

 

إذاً، يملك التفكير القاروي وجهين: الأول سلمي ويقوم على مشاريع التعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والثاني توسعي يستند إلى الإكراه الاقتصادي وحتى العسكري، بحسب الظروف. بطبيعة الحال، ليس الخط الفاصل بين البعدين واضحاً دائماً، إذ يمكن للدولة المهيمنة مزج عناصر من كلا الخطين.

 

أفكار ترامب... مبررة؟

بالعودة إلى مقال براندز في "بلومبرغ"، يمكن قراءة أن ثمة حاجة أميركية لإعادة تعزيز النصف الغربي للكرة الأرضية حيث يزداد فك الارتباط بين الولايات المتحدة والصين: "مع محاولة روسيا والصين بناء إمبراطوريات في مناطقهما، تزداد الحاجة لضمان تماسك النصف الغربي التابع لأميركا".

 

وأضاف: "في كل صراع بين القوى العظمى في القرن الماضي، دافعت واشنطن بشدة عن ملاذها الإقليمي: لماذا على الأمر أن يكون مختلفاً اليوم؟"

 

مع ذلك، تخوف براندز من أن يلجأ ترامب إلى الخيار الإكراهي لا الخيار الديبلوماسي والاقتصادي، مما يضر أميركا ويجعلها مجرد "قوة افتراسية" أخرى تحاول حكم جوارها بالقوة.

 

إذا تحقق هذا السيناريو فالعالم سيكون مقبلاً على حروب واضطرابات أقسى من تلك التي انفجرت في أوكرانيا وغزة. في الواقع، قد تكون الحربان مقدمة لما سيندلع في المستقبل غير البعيد. ربما تتحول أميركا من دولة تُلهم العالم على احترام حقوق الإنسان والديموقراطيات والاندماج السلمي في متحدات اقتصادية واسعة إلى أخرى تبرر بطريقة غير مباشرة مشاريع التوسع العسكري والإكراه المادي العابر للحدود، بصرف النظر عن حجمه. إلى هذا الحد قد تكون ولاية ترامب الثانية محورية في التمهيد للأعوام والعقود المقبلة.

 

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".