تحقيقات 20-01-2025 | 05:13

دونالد ترامب: الرحلة الطويلة من النجم "الدون جوان" إلى المقاتل من أجل أميركا

الرجل المولود ثرياً، والذي غامر كثيراً، وتهرّب من الضرائب حيث استطاع، ولم يعرف عنه يوماً أي ميول اشتراكية، دوّر اسمه، ماركته التجارية، وحوله إلى مرآة لحركة سياسية كاملة (ماغا)، يلعب فيها ترامب دور بطل تراجيدي فيه خليط من أشياء كثيرة كلها تصب في حماية أميركا من كل أعدائها.
دونالد ترامب: الرحلة الطويلة من النجم "الدون جوان" إلى المقاتل من أجل أميركا
الرئيس الأميركي المنتخَب دونالد ترامب (أ ف ب).
Smaller Bigger

في السابع من تشرين الأول /أكتوبر عام 2016، خرج إلى العلن تسجيل لدونالد ترامب، يتفاخر فيه بأنه، كنجم مشهور، يمكنه أن يفعل مع النساء ما يريد، حد إمساكهن من أعضائهن التناسلية.

 

التسجيل بدا، في حينه، نهاية حتمية شديدة الدرامية للملياردير السبعيني الذي حط بثقله ذلك العام في النادي السياسي الأميركي، فانتزع بخطابه الذي وصف باليمين الشعوبي ترشيح الحزب الجمهوري بعدما راح يهزم المرشحين التقليديين، أبناء الحزب الأوفياء، واحداً بعد آخر.

 

قبل شهر تماماً من الانتخابات، كان ترامب يواجه أصعب مفترق طرق في حياته، فإما يخضع للضغط الهائل الذي مارسه كبار حزبه عليه لينسحب من مواجهة الديموقراطية هيلاري كلينتون، وإما أن يكمل معركته، في وجه السيدة الأولى السابقة وحزبه والصوابية السياسية. ترامب لم يفكر مرتين، قدم اعتذاراً سريعاً غير مقنع عما قاله في التسجيل المسرب. نجاته التي يفترض بها أن تكون مستحيلة من تلك الورطة توّجت بلحظة فوزه الفارقة في تاريخ الولايات المتحدة: النجم التلفزيوني الذي لم ينتخب لأي منصب في حياته، صار رئيساً لأميركا.

 

اضطر ترامب إلى الاعتذار عما قاله حينها. فعل لن يكرره بعده قط، وهو يهاجم خصومه بما يبدو أنها أول الكلمات التي تأتي إلى ذهنه، يتفوه بها متقصداً عدم فلترتها، في تحد واضح للصوابية السياسية التي يرى فيها فيروساً ليبرالياً يجب التخلص منه.

 

الرجل المولود ثرياً، والذي غامر كثيراً، وتهرّب من الضرائب حيث استطاع، ولم يعرف عنه يوماً أي ميول اشتراكية، دوّر اسمه، ماركته التجارية، وحوله إلى مرآة لحركة سياسية كاملة (ماغا)، يلعب فيها ترامب دور بطل تراجيدي فيه خليط من أشياء كثيرة كلها تصب في حماية أميركا من كل أعدائها: فهو المؤمن الذي سيحافظ على قيم العائلة المسيحية التقليدية من الإجهاض، وهو نصير الطبقة الوسطى الذي سيخفّض ضرائبها، وهو الذي سيعيد الى أميركا مجدها الصناعي ويفتح المعامل ويحمي الصناعة المحلية ويضع الخبز والحساء الساخن على موائد العمال، وهو الشرطي الذي سيمنع تجار المخدرات والمجرمين من التسلل جنوباً، ويمنع المسلمين المتطرفين من التسلل من وراء المحيطات. وقبل كل هذا، وبعده، هو الاستثناء الوحيد، الآتي من خارج النادي السياسي بشقيه، ليجفف "مستنقع الفساد العفن" في واشنطن.

 

إنه، ببساطة، السوبرمان الذي يمكنه أن يفعل كل شيء. تسويق ترامب قدراته الخارقة لم يبدأ مع ترشحه للانتخابات. فمنذ خروجه إلى الإعلام، بنى لنفسه صورة ليست فيها نقطة ضعف واحدة، فهو رجل الأعمال الناجح الوسيم الخبير في عقد الصفقات والذي لا يعترف بخطأ أو بضعف أو بخسارة، وهو المحارب الذي ليس لديه سلاح محرم. أدوات نجوميته بقيت معه وحملها نفسها إلى السياسة. لم يعترف بأي خطأ في طريقة إدارة بيته الداخلي، البيت الأبيض، بينما يتطاير المساعدون كباراً وصغاراً من حوله، إما بالاستقالة، وإما طرداً، لأسباب منها عناده على مواقفه، ومنها أسلوبه "المهين" في التعامل مع من ينتقده. ولم يعترف بأي خلل في التعاطي مع أزمة مقتل جورج فلويد على أيدي عناصر من الشرطة، إذ وضع نفسه تلقائياً طرفاً في مواجهة الأفارقة الأميركيين وحركة "حياة السود مهمة"، ووصل به الأمر إلى رفع الكتاب المقدس في وجوههم في واشنطن. ولم يقر أنه أدار بطريقة سيئة واحدة من أكبر الأزمات الحديثة التي ألمّت بأميركا والكوكب، أي جائحة كوفيد. ولأنه من المستحيل أن يخسر، قرر أن مؤامرة حيكت ضده وأدت إلى سرقة فوزه في انتخابات عام 2020. واستمر في محاولات مستميتة لقلب النتيجة بأي طريقة كانت، حتى وصل استنفار  جماهيره الشديد إلى اقتحام الكونغرس في السادس من كانون الثاني /يناير 2021.

 

تدنيس هذا المكان المقدس في الديموقراطية الأميركية لم يتحمل مسؤوليته، كما أنه لم يتراجع عن موقفه بأن تزويراً جعل جو بايدن رئيساً.
خلال السنوات الأربع في بيته الأبيض الرديف في مارالاغو، أحكم ترامب السيطرة على الحزب الجمهوري. أنهى الحياة السياسية لكثر من معارضيه، بينما انضوى آخرون تحت جناحه حفظاً لأنفسهم، وأتى بطبقة كاملة من مناصري "ماغا" الصرحاء إلى مناصب في ولاياتهم أو إلى الكونغرس. وعلى رغم الخسارة المدوية للحزب في الانتخابات النصفية عام 2022، والتي وجهت أصابع الاتهام إليه بتسببها، إلا أن سطوع نجمه الحزبي استمر في التصاعد وصولاً إلى الانتخابات التمهيدية التي فاز فيها بأسهل مما يفوز بها مرشح بالتزكية. حين وصل إلى مؤتمر الحزب الجمهوري، كان يضع ضمادة شرف عظيم على أذنه اليمنى، وبات يحمل لقب "المحارب"، بصورتين تفوقتا على كل صوره الأخرى. الصورة الأولى كانت تلك التي عبس فيها بوجه الشرطي الذي التقطها له في السجن في جورجيا، والتي نشرها على حساباته على "السوشيل ميديا" تعبيراً عما يواجهه من مظالم وحروب قضائية-سياسية لإلغائه وإقصائه عن معركته في الدفاع عن أميركا.

 

الصورة الثانية هي تلك التي حجزت مكانها في سجل الصور الخالدة، رافعاً قبضته، بوجه مدمّى، صارخاً بالكلمة التي حفظها الأميركيون من محاولة الاغتيال التي نجا منها بمعجزة "حاربوا (Fight)". الشاب الذي دخل الحياة العامة من أوسع أبوابها "دون جوان" بثراء فاحش، يبحث عن النجومية من أي باب أتت، انتهى في الثامنة والسبعين من عمره، بطلاً شعبياً مستعداً لفداء حركته بدمه. من تلك اللحظة بات "المحارب" الذي سيخفي حزبه في ظله، ويلحِق بالحزب الخصم هزيمة مذلة، ويدخل واشنطن الإثنين دخول الفاتح، الرجل الأقوى في أميركا، وبالتالي في العالم.

 

وهي رحلة طويلة مشاها دونالد ترامب وحده تقريباً، معتمداً على حدسه الفطري، من عام 2016 إلى عام 2024، بدأت برفض تام له وللحالة التي يمثلها، وانتهت بالاعتراف به، ولو على مضض، كعضو رئيسي في النادي السياسي الأميركي، وكلاعب شديد الحنكة والمهارة، كلما ظن الجميع أنه سقط وانتهى أمره، عاد أقوى مما كان، ليستكمل رحلة تستمر نظرياً أربع سنوات، لا يمكن التنبؤ، بدءاً من دخوله اليوم إلى البيت الأبيض، وحتى خروجه منه عام 2029، بأي من أقواله، أو أفعاله، أو الأحداث المثيرة التي لا تمل من ملاحقته، كما لا يمل من ملاحقتها.

 

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 9:32:00 AM
طقس الأيام المقبلة في لبنان