القصة الكاملة لاتفاق غزة: كيف تمكن قطب العقارات النيويوركي من كسر الجمود بين "حماس" ونتنياهو
كان ذلك يوم السبت، عندما جلس ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب للشرق الأوسط، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليوصل رسالة واضحة من رئيسه: لقد حان الوقت للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.
وقال ويتكوف، وهو قطب عقارات من نيويورك، لرئيس الوزراء أنه يجب اتخاذ خيارات وأن المفاوضين الإسرائيليين بحاجة إلى سلطة اتخاذ القرارات، حسبما قال شخص مطلع على محادثاته لصحيفة "وول سترين جورنال". وقال ويتكوف إنه إذا لم يرغب نتنياهو في العمل بهذه الطريقة، فعلى الجميع حزم حقائبهم والعودة إلى ديارهم، على حد قول الشخص.
وقد أوصل ويتكوف الرسالة نفسها إلى الوسطاء العرب. وفي اليوم السابق في الدوحة، قطر، قال لهم مسلحًا بملف سميك يحتوي على تفاصيل الجولات السابقة من المحادثات، إن الوقت قد حان للتوصل إلى اتفاق، وليس إلى أخذ ورد دبلوماسي لا نهاية له، حسبما قال الوسطاء والشخص المطلع على المحادثات.
كان ويتكوف، وهو صديق لترامب، جديدا في الدبلوماسية. لكن دفعه كان في الوقت المناسب، حيث كان كلا الجانبين أكثر ميلاً إلى التوصل إلى اتفاق، وكان ترامب قد حذر من أنه "سيكون هناك ثمن باهظ" إذا لم يكن هناك اتفاق.
وقال الشخص إن هذا التحذير كان موجهاً لكلا الجانبين. قال ويتكوف لرئيس الوزراء الإسرائيلي: "لقد كان الرئيس صديقاً عظيماً لإسرائيل... والآن حان الوقت لرد الجميل".
وبعد الاجتماع مباشرةً، أرسل نتنياهو أحد مساعديه الرئيسيين ورؤساء وكالات التجسس الإسرائيلية إلى الدوحة بعد أسبوع من المفاوضات المكثفة التي أعادت إلى الواجهة اتفاقًا كان قد احتضر قبل أسابيع فقط.
ووافق مجلس الوزراء الإسرائيلي يوم الجمعة على الاتفاق، الذي من شأنه أن يوقف القتال لمدة ستة أسابيع على الأقل، ومبادلة الرهائن المحتجزين في غزة بالأسرى الفلسطينيين في إسرائيل، وفتح الطريق لإنهاء حرب استمرت 15 شهراً وامتدت إلى صراع إقليمي وكانت لها تداعيات في جميع أنحاء العالم.
وقال الوسطاء العرب يوم السبت إن وقف إطلاق النار سيدخل حيز التنفيذ يوم الأحد في الساعة 8.30 صباحًا بالتوقيت المحلي.
وكانت المحادثات المكثفة التي قادها كبار مسؤولي إدارة بايدن قد فشلت مراراً وتكراراً في إنهاء العنف. ولكن على الرغم من أن شروط الاتفاق المطروحة على الطاولة لم تتغير إلا قليلاً خلال ثمانية أشهر، إلا أن هذه المرة كانت مختلفة، حيث أن مجموعة متباينة من الأحداث قد هيأت الأطراف للدفع الصحيح.
فقد قتلت إسرائيل زعيم حركة "حماس" يحيى السنوار، وضربت شبكة الوكلاء الإقليمية الإيرانية، وقضت على العديد من الدفاعات الجوية لطهران قبل نهاية العام الماضي، مما جعلها في موقف تفاوضي أقوى بكثير.
وفي الوقت نفسه، كان نتنياهو قد عزز ائتلافه الحاكم، مما قلل من احتمال الإطاحة به من قبل المعارضة اليمينية للاتفاق. وكان هناك إطار عمل جاهز لاتفاق تم التوصل إليه قبل أشهر من قبل إدارة بايدن.
وفي غضون أيام قليلة، كان المسؤولون الإسرائيليون والعرب يشيرون لمراسلي صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى وجود تقدم حقيقي. وفي يوم الأربعاء، وبعد أشهر من البدايات الخاطئة والمماطلة، كان المفاوضون وترامب نفسه يعلنون أنه تم التوصل إلى اتفاق.
وقال جاك ليو، السفير الأميركي المنتهية ولايته لدى إسرائيل إنه من الواضح أن هناك وضعاً سياسيًا مختلفًا مع الولايات المتحدة في العملية الانتقالية... هناك دائمًا عنصر من عدم اليقين في الانتقال، وأعتقد أن عنصر عدم اليقين هذا كان له تأثير إيجابي".
وسيتم تنفيذ الصفقة الجديدة على مراحل، بدءًا بتبادل بعض الرهائن بالسجناء الفلسطينيين قبل الانتقال إلى المحادثات حول نهاية أوسع للقتال.
وتلفت الصحيفة إلى أن الصفقة كادت تتعثر في النهاية. وتنسب إلى أشخاص مطلعين على المحادثات أن المفاوضين نقلوا يوم الثلاثاء مسودة نهائية إلى "حماس" للموافقة عليها، وأمهلوها ثماني ساعات للعودة بإجابة، ولكن بعد فترة طويلة من الموعد النهائي لم ترد، مما خلق فترة توتر بعد كل الإشارات الإيجابية.
وعادت "حماس" أخيرًا إلى الطاولة، قائلة إنها تعمل على التفاصيل وتريد تغيير بعض البنود المتفق عليها، وفقًا لمسؤولين أميركيين وعرب. وقال مسؤولون أميركيون إنهم "صامدون"، وأبلغوا "حماس" بأنه لن تكون هناك تغييرات أخرى.
وحذر مسؤولون أميركيون وإسرائيليون من أن الاتفاق لا يزال هشًا. فبعد الإعلان عن الاتفاق مباشرة تقريبًا، أعاد مكتب نتنياهو الاتفاق إلى حالة عدم اليقين لمدة يومين باتهام "حماس" بالتراجع عن نقاط رئيسية، ووفقًا لوسطاء عرب في المحادثات، قال نتنياهو إنه سيحتفظ بقواته على طول حدود غزة مع مصر لفترة أطول مما اتفق عليه.
ومن المرجح أن تكون المرحلة التالية من المحادثات، التي ستفتح المناقشة حول إنهاء الحرب، أكثر إثارة للجدال، حيث تظل إسرائيل و"حماس" على خلاف حول ما إذا كان ينبغي أن يكون هناك وقف دائم للقتال.
وطمأن الرئيس المنتخب إسرائيل إلى أنه إذا انتهكت "حماس" الاتفاق، فإن الولايات المتحدة ستدعم عودة إسرائيل إلى القتال. وقال شخص مقرب من ترامب إن الولايات المتحدة ستعمل على ضمان عدم وجود دور حاكم مستقبلي للجماعة المسلحة في غزة.
ويعكس الاتفاق الذي أمكن التوصل إليه هذا الأسبوع اقتراحاً صاغته إسرائيل في أيار (مايو). فقد دعا الاقتراح إلى مرحلة أولى تتضمن وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن، تليها مرحلة أخرى تتضمن محادثات حول إنهاء الحرب، وفقاً لنسخة اطلعت عليها صحيفة "وول ستريت جورنال".
ولكن حكومة نتنياهو اعتمدت على دعم حلفائها اليمينيين الذين هددوا بالانسحاب إذا ما مضى قدماً.
وفي اجتماع عقد في تموز (يوليو) في فندق ووترغيت في واشنطن، تحدث نتنياهو مع أسر الرهائن وحضهم على التوصل إلى اتفاق وأخبرهم أنه غير مستعد لوقف القتال.
"إذا تخلينا عن تحقيق النصر على حماس، فسنكون جميعًا في خطر من كل جبهة"، هذا ما قاله نتنياهو وهو يضرب الطاولة أثناء حديثه، وفقًا لتسجيل استعرضته صحيفة "وول ستريت جورنال".
وفي إشارة إلى "حماس" وحلفائها بقيادة إيران، أضاف: "هذا المحور يأكلنا".
في 16 تشرين الأول، بعد أشهر من المحادثات غير المجدية، قتلت القوات الإسرائيلية السنوار. وانتقلت القيادة إلى شقيق السنوار الأصغر، محمد، الذي جند أعضاء جدداً وجمع الذخائر غير المنفجرة لمواصلة القتال.
ومع إعادة انتخاب ترامب، عادت المفاوضات إلى مسارها الصحيح. وكانت عائلات الرهائن تتواصل معه ودائرته المقربة منذ الصيف. وكتب بعضهم رسائل إلى ويتكوف أو المانحة الرئيسية ميريام أديلسون، والسيناتور تيد كروز واجتمعوا معهم شخصيًا وعلى مكالمات زوم.
"أود أن أقول إن الرئيس مستاء"، هذا ما قاله ويتكوف للصحافيين الأسبوع الماضي في مارالاغو قبل التوجه إلى الدوحة لإجراء محادثات.
وفي الوقت نفسه، سافر مسؤولون من "حماس" في أوائل كانون الأول إلى القاهرة وأخبروا الوسطاء المصريين أن بعض أعضاء الجناح المسلح للجماعة في غزة يميلون إلى التوصل إلى اتفاق، بحسب مسؤولين عرب.
وكان الفريقان الإسرائيلي و"حماس"، اللذان اجتمعا في مبنى وسط العاصمة القطرية، محشورين في غرف في نفس الجزء من طوابق منفصلة. وكان رؤساء الفريقين القطري والمصري الذين يتوسطان في المحادثات يتبادلون الرسائل فيما بينهم.
كانت إحدى القضايا الرئيسية التي ساعد ويتكوف في التغلب عليها في الأيام الأخيرة هي المخاوف بين مسؤولي "حماس" من عودة إسرائيل إلى القتال بعد استعادة رهائنها الأكثر ضعفًا في المرحلة الأولى، وفقًا للوسطاء. وقال ويتكوف إنه إذا التزم الجميع بالاتفاق، فإن ترامب سيشجع على إجراء مفاوضات ذات مغزى في المرحلة الثانية، وفقًا للشخص المطلع على محادثاته.
ونقل الوسطاء هذه التأكيدات إلى "حماس" التي كانت تريد في السابق ضمانات مكتوبة بأن إسرائيل لن تعود إلى القتال ووافقت على تعهدات ترامب الشفهية.
بعد الإعلان عن التوصل إلى اتفاق، كان لا يزال هناك وقت لخلاف أخير.
وقال وسطاء عرب إن "حماس" أصرت على تسمية بعض السجناء الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم مقابل الرهائن، في حين دفعت إسرائيل إلى تمديد الوقت الذي ستبقى فيه قواتها في ممر فيلادلفيا.
وبينما كان المفاوضون يكافحون للحفاظ على الاتفاق، تدخل ترامب مرة أخرى. وقال في مقابلة إذاعية يوم الخميس: "بصراحة، من الأفضل أن يتم ذلك قبل أن أقسم اليمين".
وبعد ساعات، أعلن مكتب نتنياهو التوصل إلى اتفاق. وقال الوسطاء إن أي شيء جوهري في الاتفاق لم يتغير.
وقال الشخص المطلع على محادثات ويتكوف: "هل يمكنك أن تتخيل الجلوس للمفاوضات وعدم تحديد موعد نهائي لأن هذا الأمر استمر لمدة 15 شهرًا". "بدون موعد نهائي، لن يكون هناك شيء نسعى إليه".
نبض