أوروبّا خائفة... "دونرو" أكثر عدوانيّة من "مونرو"
الرئيس الأميركي دونالد ترامب (أ ب)
Smaller Bigger

ما بدأ كطرح "اعتباطي" راح يتحول إلى فكرة معقولة، وربما، مقبولة. بداية، قورب كلام ترامب عن ضم غرينلاند وكندا والسيطرة على قناة بنما من زاوية أن الرئيس المنتخب أطلق واحداً من منشوراته وتصريحاته الغريبة (عادة بعد منتصف الليل) لجذب الأنظار، وفي الوقت نفسه، للتنمر على الحلفاء. لاحقاً، قيل إن ترامب مهتم بترك إرث له، كما هي الحال مثلاً مع تسمية "خليج المكسيك" بـ "خليج أميركا". لكن إذا كانت هذه الرغبة موجودة فعلاً، فالتوسع الإقليمي للولايات المتحدة قد يكون طريقاً مختصراً لبلوغ هذا الإرث.

 

ويكفي أن يضاف بعض مبررات الأمن القومي، مثل التخوف الأميركي من النفوذ الصيني في غرينلاند وبنما، كي يتحول الأمر إلى سياسة خارجية نشطة. حتى فترة قصيرة مضت، لم يكن المراقبون والمسؤولون الأوروبيون قد بلغوا مرحلة الخوف الأكبر. وهي المرحلة التي يقول فيها اختصاصيون مخضرمون (غير ترامبيين) في الأمن القومي، إن الفكرة تستحق النقاش.

 

على سبيل المثال، وفي مقابلة يوم الأحد، نفى القائد الأعلى الأسبق لقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) جيمس ستافريديس أن يكون كلام ترامب عن غرينلاند "فكرة مجنونة". بحسب رأيه، "يمكننا القيام بالكثير جداً على مستوى الأعمال والاستثمار وصد الروس وصد الصينيين والعمل عن كثب مع غرينلاند". وأضاف أن تلك الجزيرة ستكون "منجم ذهب" للولايات المتحدة، منبهاً إلى أنه ليس من الضروري أن تصبح الجزيرة "الولاية الـ 51" للبلاد. (أو الـ 52 إذا أراد المرء احتساب كندا).

 

"حاوِل أن تقنع ترامب بذلك"، قد يقول أوروبي أو دنماركي، أو غرينلاندي يريد الاستقلال عن الدنمارك والولايات المتحدة معاً. حتى لو أراد الرئيس المنتخب التفاوض ديبلوماسياً مع غرينلاند والدنمارك ووصلت المحادثات إلى طريق مسدود، يمكن أن تتحول العلاقات مع دولة في الناتو إلى "بغيضة". فترامب لم يستبعد القوة العسكرية لتحقيق أهدافه. وما ينطبق على غرينلاند قد ينطبق على قناة بنما.

 

باختصار، ربما يتحول كلام ترامب إلى استراتيجية متدرجة. وبالحديث عن الإرث، لن يكون ترامب مستاء من تدوين اسمه في سجل التاريخ الأميركي للرؤساء البارزين، من أمثال جيمس مونرو.  

 

هكذا انقلبت الآية

كان مونرو (1758-1831) الرئيس الخامس للولايات المتحدة وآخر الآباء المؤسسين الذين ترأسوها. إلى جانب مسيرته الكبيرة في خدمة بلاده كمشرع في الكونغرس وكوزير للخارجية في أوروبا، عُرف مونرو بالمبدأ الشهير الذي حمل اسمه (بعد وفاته) والذي نص على منع القوى الاستعمارية من التدخل في شؤون النصف الغربي من الأرض، أي في الأميركيتين بشكل محدد. في كلمته السنوية السابعة أمام الكونغرس سنة 1823، قال مونرو إن بلاده لن تتسامح مع مزيد من الاستعمار أو الأنظمة "الدمى" بيد الملكيات الأوروبية في أميركا. فعّلت الولايات المتحدة هذا المبدأ مرات عدة في القرنين التاسع عشر والعشرين لإرسال قوات عسكرية إلى دول مختلفة في القارة حين شعرت بأن مصالحها مهددة.

 

اليوم يبدو أن أميركا والعالم أمام مبدأ دونرو، المشتق من اسم دونالد، بحسب تسمية "نيويورك بوست"، وهي تسمية أعجبت ترامب فأعاد نشرها عبر حسابه على "تروث سوشل". لكن الفرق بين 1823 و2025، ليس قرنين من الزمن وحسب، بل الدينامية المعاكسة للمبدأين. في بداية القرن التاسع عشر، كانت أميركا في حالة دفاع عن النفس. اليوم، تبدو أميركا في حالة هجوم، أو تكاد. علاوة على ذلك، اشتمل المبدأ على التزام أميركي بعدم التدخل في شؤون أوروبا. بمجرد اقتراح ترامب فكرة شراء غرينلاند، وعدم استبعاده حتى الخيار العسكري للحصول على الجزيرة، سقط المبدأ القديم. دونرو أكثر عدوانية من مونرو. وهذا ما يخيف الأوروبيين فيما يخوضون حرباً هي الأشرس على أرضهم منذ الحرب العالمية الثانية. وفي مقدمة الخائفين أوكرانيا.

 

فبمجرد أنه "يحق" للولايات المتحدة تأسيس "منطقة نفوذ موسعة" بالقوة، سيكون من "حق روسيا منطقة نفوذ موسعة" خاصة بها. كان الخوف واضحاً في تصريح المستشار الألماني أولاف شولتس: "مبدأ حرمة الحدود ينطبق على كل دولة ... بغض النظر عما إذا كانت صغيرة جداً أو قوية جداً". وأضاف في مقارنة حادة بين أميركا وروسيا أن هذه القاعدة تنطبق "بغض النظر عما إذا كان ذلك في الشرق أو الغرب". من جهته، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: "يريد الجميع التأكد من أن بلدهم لن يُمحى عن الخريطة".

 

توقيت بالغ السوء

بدأ الحديث عن مبدأ دونرو في ظرف شائك: تخسر أوكرانيا الأراضي بشكل يومي، شولتس في طريقه مبدئياً لمغادرة منصبه بعد الانتخابات المقبلة، فيما تتنقل فرنسا بين أزمة داخلية وأخرى. ماذا عن بريطانيا؟ هي أيضاً في وضع اقتصادي لا تُحسد عليه. التضخم فيها أعلى مما هو في فرنسا وألمانيا.

 

على الهامش غير البعيد، ومع الأخذ بالاعتبار أن موقفه لا يعبر عن رأي البلاد الرسمي ولا حتى الشعبي بطبيعة الحال، كان عنوان مقال الإعلامي البريطاني الشهير في مجال رياضة المحركات جيريمي كلاركسون معبّراً: "دعوا ترامب يتقدم بطلب الحصول على غرينلاند – وبريطانيا أيضاً".

 

في مقال كلاركسون الذي نشرته صحيفة "صنداي تايمز" الكثير من الفكاهة، لكن أيضاً الكثير من الشواهد لدعم فكرة شراء الجزيرة. الجو قاتم في بروكسل، والمزاج على الأرجح غير مناسب للفكاهة. حتى، بل خصوصاً، في سياق دعمها لما هو جدّيّ كهذا.

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".