جو بايدن… النهاية الحزينة للجسر الذي رفض الانسحاب في الوقت المناسب

راح الديموقراطيون يندبون مُلكهم الذي يضيع أمام عيونهم ورئيسهم يعجز مرة بعد أخرى عن إكمال جملة واحدة مفيدة، ناهيك بعدم قدرته على صد هجوم خصمه، أو المبادرة إلى الهجوم حين تسنى له ذلك.
جو بايدن… النهاية الحزينة للجسر الذي رفض الانسحاب في الوقت المناسب
جو بايدن بعد مناظرته الكارثية مع دونالد ترامب
Smaller Bigger


تبقى بضعة أيام قبل أن يرث جو بايدن لقبين جديدين دفعة واحدة. فيوم الإثنين المقبل، عند الساعة الثانية عشرة ظهراً بتوقيت واشنطن سيصير رئيساً سابقاً، كما سيصير أكبر الرؤساء السابقين الأحياء سناً؛ وهو اللقب الذي ورثه من جيمي كارتر، زميله الأطول عمراً في تاريخ الرؤساء حتى الآن، والذي توفي قبل أسبوعين بعدما تخطى القرن بنحو ثلاثة أشهر.

جو بايدن الذي يبلغ من العمر 82 سنة، كان قبل أربع سنوات أكبر مرشح يفوز بالرئاسة في تاريخ أميركا. وبينما تذهب المقولة إلى تفضيل الوصول متأخراً على عدم الوصول أبداً، فقد كان وصول بايدن المتأخر إلى البيت الأبيض، بسنه المتقدمة نسبياً، هو اللعنة التي ستوصم فترته الرئاسية اليتيمة.

في عام 2020، عاد بايدن من تقاعده في مهمة غالية على قلب حزبه الديموقراطي: إسقاط دونالد ترامب. خاض نائب الرئيس السابق في حينها معركة انتخابية شبه افتراضية. كانت إجراءاته الوقائية في خلالها جزءاً أساسياً من حربه على ترامب الذي تهور في استهتاره بجائحة كوفيد، حتى كانت من أهم أسباب خسارته. بعد فوزه، استمر بايدن على الوتيرة  ذاتها من الحذر بعد دخوله البيت الأبيض. وبينما راحت أميركا تتخفف تدريجياً من الأعباء الاحترازية للجائحة، حتى اختفت تماماً، كان مستشارو بايدن، ودائرته الضيقة من المساعدين، يبالغون في إحاطته بالحماية، من السنة الأولى لتسلمه منصبه، ويقننون الوصول إليه حتى على الوزراء في إدارته، وعلى المشرعين الديموقراطيين.

بحسب تقرير نشر في "وول ستريت جورنال" أخيراً، فإن علامات الإرهاق السريع وتشتت الذهن بدأت تظهر منذ الأشهر الأولى لوجوده في البيت الأبيض. واستعيض عن الاجتماعات الموسعة الطويلة بأخرى ضيقة لوقت محدد خلال النهار، لأنه كان يصاب بالإعياء مع ساعات المساء. وفي الوظيفة الأصعب التي تسرّع الساعة البيولوجية لشاغليها، راح السياسي المسنّ يهرم بسرعة أكبر وتزداد هفواته الصغيرة، كأن يختل توازنه فيقع أرضاً، أو ينسب دولاً إلى غير رؤسائها، أو يبدو تائهاً على المنبر، حتى بات مساعدوه مضطرين للبقاء إلى جانبه، لإعلامه مسبقاً ببديهيات، كوجهة الخروج بعد الانتهاء من خطاب يتمنون ألّا يخرج عن نصه المكتوب، أو ألا يخذله صوته المجهد فيتحول كلامه إلى غمغمة غير مفهومة.

وإذا كان يمكن التغاضي عن الهفوات الصغيرة هذه، فإن الهفوات الكبرى هي التي جعلته من الرؤساء الأقل شعبية في تاريخ أميركا، أولها الانسحاب البائس من أفغانستان الذي كلف الولايات المتحدة عشرات العسكريين بين قتلى وجرحى، وفوضى عارمة أدت إلى ما استبعده بايدن نفسه، أي إطباق "طالبان" على الحكم مجدداً.

هفوتان أخريان كانتا قاضيتين: مسألة الهجرة غير الشرعية التي لم يستشعر حجمها، ولم يتعامل معها بالجدية الكافية باعتبارها "موسمية"، ومسألة التضخم الذي اعتبره موقتاً.

دفاعاً عن نفسه، كان بايدن، ولا يزال، يعدد إنجازاته على مستوى الاقتصاد والبنى التحتية وتمتين تحالفاته عبر الأطلسي والدفاع عن أوكرانيا وإسرائيل. وفي دفاعه أيضاً عما يعتبره أهم إنجازاته على الإطلاق، كان بايدن مصراً على أنه الوحيد الذي يمكنه أن يهزم ترامب ثانيةً، كما هزمه أول مرة، ودليله أنه متقدم عليه في استطلاعات الرأي، هذه التي لم يكن يأخذها مباشرة من  مصادرها الأصلية، بل من خلال مساعديه. كانت قناعة استمر على تمسكه بها حتى بعد المناظرة مع دونالد ترامب، والتي راح الديموقراطيون يندبون مُلكهم الذي يضيع أمام أعينهم، ورئيسهم يعجز مرة بعد أخرى عن إكمال جملة واحدة مفيدة، ناهيك بعدم قدرته على صد هجوم خصمه، أو المبادرة إلى الهجوم حين تسنى له ذلك.

اكتشف الديموقراطيون أن القطار قد فاتهم بسبب جو بايدن، لأنه تأخر سنوات عن تحقيق وعده حين عاد عن تقاعده بأنه سيكون جسراً يعبر عليه الجسر الجديد إلى البيت الأبيض، وأنه ليس مهتماً بولاية ثانية سيكون عمره حين تبدأ اثنين وثمانين عاماً. ووصل كبارهم إلى حد تهديده بالتخلي عنه والتنكر له ما لم يخرج من السباق حتى أرغموه على إعلان تخليه عن خوض الانتخابات الرئاسية. 

انسحابه جاء متأخراً سنتين على الأقل، كان الحزب خلالها سيفرز طامحين كثراً يعكس الفائز منهم توجه القاعدة الديموقراطية الشعبية التي لم يتح لها أن تختار مرشحاً آخر غير بايدن لتجد نفسها أمام كامالا هاريس، الوحيدة التي تطوعت لتكون الانتحارية التي ستواجه ترامب بينما يجلس بايدن وسنواته الأربع وهفواته وإخفاقاته كلها على كتفيها؛ وهي، فوق ذلك، نائبته التي لا يمكنها أن توجه إليه ولو انتقاداً يتيماً يميزها عنه.

لا باب يقفله بايدن خلفه وهو يغادر البيت الذي لن يعود بيته. هذه نهاية حزينة للرئيس الذي إرثه الوحيد الذي سيبقى هو أن جو بايدن هو الوحيد الذي هزم دونالد ترامب، لكنه بعدم انسحابه في الوقت المناسب، عاد ليكون من أهم أسباب فوز ترامب، إن لم يكن أهمها على الإطلاق.


الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 9:32:00 AM
طقس الأيام المقبلة في لبنان