كان جيمس كومي يلقي كلمة في لقاء مع الموظفين في مكتب التحقيق الفدرالي حين قرأ على شاشة أمامه خبراً عاجلاً يعلن أن الرئيس دونالد ترامب طرده من منصبه كمدير لـ"أف بي آي". أنهى كلمته وعاد بطائرة تابعة للمكتب إلى واشنطن العاصمة، وبات يومها، في التاسع من أيار (مايو) 2017، عاطلاً من العمل، قبل أربع سنوات من نهاية ولايته التي تستمر لمديري هذا المنصب الحساس عشر سنوات، أي أكثر من فترتين مفترضتين حداً أقصى للرئيس نفسه في البيت الأبيض. هكذا يبقى المدير، ومعه المكتب، خارج أي احتمال تأثير للرئيس عليه، وخارج الصراعات السياسية، أي خارج السياسة برمتها، يقوم "بواجبه" في حماية الشعب الأميركي من الإرهاب والجريمة والاستخبارات الأجنبية والتجسس والهجمات السبرانية وغيرها.

لم يحتمل الرئيس الجديد حينها المدير أكثر من 110 أيام. كان يريده أن يوقف التحقيق في شبهة مساعدة روسيا حملته الانتخابية، ورفض كومي بالطبع. هو الذي كان أعلن نتائج التحقيق في قضية بريد هيلاري كلينتون بينما حرب الانتخابات في أوجها. كان يريد أن يؤكد ما يفترض بالمكتب أن يكونه، أي أنه يعمل وفق أجندته الخاصة التي لا تميز بين جمهوري وديموقراطي، ولا دخل لها بالسياسة.

ذهبت الأيام بترامب الرئيس الخامس والأربعين وعادت به الرئيس السابع والأربعين، أقوى بمراحل من فترته السابقة. كريستوفر راي، المدير الحالي للمكتب والذي عينه بنفسه، لم تقترب منه إدارة جو بايدن. ومع أن منصبه والمكتب معه، منفصلان تماماً عمن يفوز في الانتخابات، ومع أن ولايته ستنتهي بعد ثلاث سنوات، إلا أنه سيكون قريباً أمام خيارين لا ثالث لهما بدءاً من العشرين من كانون الثاني (يناير): إما يستقيل، أو يقيله دونالد ترامب.

من خارج الأعراف السائدة، أعلن ترامب السبت عبر منصته "تروث سوشال" نيته ترشيح "المحامي والمحقق اللامع والمحارب من أجل أميركا أولاً" كاش باتيل لمنصب مدير الـ"أف بي آي". إعلان كان بمثابة موجة صدمة عصفت بواشنطن بحسب "سي بي أس نيوز"، لكن ليس لدى الجمهوريين الذين أبدى كبارهم، ومنهم السيناتور تد كروز، دعمهم لباتيل.

ابن الرابعة والأربعين المولود لمهاجرين هنديين، ليس وجهاً جديداً، لا على واشنطن ولا على ترامب نفسه، بل إنه مدافع شديد عنه مذ عين مستشاراً قانونياً للجنة الاستخبارات في مجلس النواب خلال التحقيق في تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية، فوجّه انتقادات شديدة اللهجة في حينها إلى مكتب التحقيقات الفدرالي، فنال إعجاب ترامب وثقته وكان يريد تعيينه نائباً لمدير الـ"أف بي آي" لكن ويليام بار، وزير العدل حينها، قال إن تعيينه "لن يمر إلا على جثته".

كاش يحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ عليه بعد أن يرشحه ترامب. هو آت نظرياً إلى قيادة جهاز ينتقده بعنف منذ سنوات، من ضمن حربه المعلنة ضد ما يسميها "الدولة العميقة" ويختصرها بتحالف الإعلام والبيروقراطية والسياسيين. في أحد تصريحاته التي طفت على السطح بعد تسمية ترامب له، يقول إنه إذا ما صار مديراً للمكتب فإنه سيغلق مقره الرئيسي في اليوم الأول ليعود فيفتحه في اليوم التالي متحفاً للدولة العميقة. أما الآلاف السبعة من الموظفين في المقر (رقم غير دقيق) فسيرسلهم في طول أميركا وعرضها ليطاردوا المجرمين: "فيلذهبوا ويكونوا شرطة".

كاش الذي يجاهر بالعداء للصحافة، كان قد وعد بأنه سيذهب في إثر الميديا التي "كذبت على الأميركيين وساعدت جو بايدن في تزوير انتخابات العام 2020". في كتابه الصادر العام الفائت، "عصابات الحكومة" Government Gangsters، يرى كاش أن إعادة المكتب إلى مساره الصحيح تتطلب طرد كبار الموظفين فيه، وإخضاعهم إلى تحقيق في الكونغرس. ويعتبر أنه يجب فحص هواتف الموظفين الحكوميين دورياً لكشف مسربي المعلومات إلى الإعلام ومقاضاتهم.

المرشح للمنصب الذي يفترض به أن يكون محايداً وغير سياسي، هو حليف سياسي كامل لترامب. "نيويورك تايمز" وصفت تسميته مديراً لـ"أف بي آي" بأنه يأتي في إطار نية ترامب تحويل المكتب إلى أداة بيده، في حرب الرئيس المنتخب المرتقبة على خصومه في واشنطن الذين لاحقوه بالدعاوى القضائية. إذا أضيف اسم باتيل إلى الأسماء المعلنة لإدارة ترامب، يبدو أن هذه الحرب آتية لا محالة.