شبهات في حادث طائرة الحداد على خلفية تمديد الوجود العسكري التركي في ليبيا
مررت أنقرة، للمرة الثالثة، تمديد فترة وجودها العسكري في غربي ليبيا حتى مطلع 2028، بهدوء، ومن دون صخب محليّ معتاد، ما ربُط بتمدّد النفوذ التركي خلال العام المنصرم ليصل إلى شرقي ليبيا.
يستند الوجود العسكري التركي في ليبيا إلى اتفاق تعاون أمني كانت وقعته حكومة "الوفاق الوطني" برئاسة فائز السراج العام 2019، ورسّخته حكومة "الوحدة الوطنية" الحالية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
ورغم تداعيات الحضور العسكري التركي على المشهد الأمني في ليبيا، ولا سيما ملفي توحيد المؤسسة العسكرية وإجلاء القوات الأجنبية، اللذين راوحا مكانهما خلال السنوات الخمس الماضية، فإن الجدل هذه المرة جاء مع تزامن القرار التركي مع حادث تحطم طائرة كانت تُقلّ رئيس أركان قوات الغرب الليبي، الفريق محمد الحداد، بعد دقائق معدودة من إقلاعها، وسط تساؤلات واسعة حول ما إن كان سقوط الطائرة بسبب خلل فني عارض أم بفعل جريمة مدبّرة في توقيت حسّاس.
كان الحداد في زيارة رسمية إلى أنقرة بدعوه من وزير الدفاع يشار غولر، وذلك بعد ساعات قليلة من تصديق البرلمان التركي على مرسوم رئاسي يقضي بتمديد تفويض إرسال القوات العسكرية إلى ليبيا لمدة عامين آخرين.
مدير المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أحمد حمزة، تساوره الشكوك بكون الحادث "ليس عرضياً بل هو عمل مدبّر ومخطط له مسبقاً"، إذ إن "الطائرة قبل إقلاعها من المفترض أن تخضع لكشف فنيّ كامل من الخدمات الأرضية والفنيين الخاصين بالطيران كأيّ رحلة طيران، فكيف وقع العطل بعد الإقلاع مباشرة بربع ساعة، ولم يُكتشف من الجانب التركي؟". وطالب في تصريح لـ "النهار" بـ "تحقيق من لجنة دولية مستقلة ومحايدة تحت إشراف المنظمة الدولية للطيران، ومنظمة الشرطة الجنائية الدولية (الأنتربول)، ومشاركة الشركة الفرنسية المصنّعة للطائرة، حتى نضمن الحياد والاستقلالية في النتائج، فلا يمكن القبول بتحقيق يقوده الطرف التركي، الذي تحوم حوله الشبهات، وكان لزاماً عليهم عدم العبث بمسرح حطام الطائرة إلى حين توفر فرق تحقيق دولية متخصصة".
يقول حمزة: "لا نوجّه اتهاماً مباشراً إلى طرف أو دولة بعينها لكن لدينا تساؤلات مشروعة، خصوصاً في ظل ملابسات وقوع الحادث؛ فعشية تحطم الطائرة مدّدت أنقرة وجودها العسكري في ليبيا، بالإضافة إلى المناخ العام في ليبيا الذي يعاني بسبب اضطرابات أمنية وانقساماً سياسياً وتحرّكات نحو إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية. وفي ظل هذا التوقيت الحساس جاءت الدعوة من الجانب التركي للفريق الحداد".
وبعد ساعات قليلة من إعلان السلطات التركية العثور على الصندوق الأسود وجهاز تسجيل الصوت الخاص بطائرة رئيس الأركان الليبي، في موقع الحطام جنوب العاصمة أنقرة، أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ظهر الأربعاء، اتصالاً هاتفياً برئيس الحكومة المركزية عبدالحميد الدبيبة، لتقديم تعازيه في ضحايا الحادث.
تناول الاتصال "مستجدات الحادث، وجرى التأكيد على استمرار المتابعة والتنسيق بين الجهات المختصة في البلدين، إلى جانب التعاون مع الوفد الليبي الموفد لمتابعة الإجراءات"، وفق بيان الحكومة الليبية.
مؤيد لإجلاء القوات الأجنبية
يؤكّد الباحث الليبي في القضايا الأمنية والمستشار القانوني علاء الدين بن عثمان، هو الآخر، أن "الفريق الراحل الحداد كان مؤيّداً لإجلاء القوات الأجنبية؛ لذلك أيّ حادث مفاجئ في توقيت حساس يُثير شبهات؛ فالشكوك حول أن الحادث كان مدبراً ليست مجرّد تكهنات عابرة بل تنبع من مصلحة تركيا وبعض الأطراف المحلية في استمرار نفوذهم العسكري والسياسي". ويرى في تصريح لـ "النهار" أن قرار البرلمان التركي تمديد الوجود العسكري في ليبيا "يعكس إصرار أنقرة على السيطرة على الملف الليبي وترسيخ نفوذها العسكري والسياسي"، مشدداً على أن الدور التركي "يُقوّض السيادة الوطنية الليبية، ويُشكل عقبة واضحة أمام توحيد المؤسسة العسكرية، ويخلق تبعية جزئية لمصالح خارجية، كما يُعطل أيّ خطوة جدية لإجلاء القوات الأجنبية".
ويرفض ابن عثمان تبرير المدافعين عن الوجود العسكري التركي في ليبيا بكونه حماية للأمن الليبي ويمنع صدام الميليشيات المتصارعة، معتبراً أنه "أداة ضغط سياسية واستراتيجية لضمان مصالح تركيا في ليبيا، وتهديد مباشر للسيادة الليبية"، متسائلاً: "إلى متى ستظلّ ليبيا رهينة للوجود العسكري الأجنبي تحت ذرائع الاستقرار، بينما السيادة الوطنية تتآكل يوماً بعد يوم؟".
في المقابل لا يتبنى الباحث الليبي في الشؤون الأمنية والسياسية أسامة الشحومي "رواية المؤامرة" في حادث مقتل الحداد، لكنه يذهب إلى ربطه بالفساد الذي يضرب مفاصل مؤسسات بلاده، مشدّداً في تصريح لـ "النهار" على أن "استئجار طائرة خاصة، تتبع لشركة تجارية مالطية، لنقل شخصية عسكرية سيادية، يُثير شبهات الفساد والكسب غير المشروع، ويستوجب المساءلة على هذا الاستهتار؛ فلو كانت الشخصية مستقلّة الطائرة من الدائرة المقرّبة للدبيبة، لما تم استئجار نفس هذه الطائرة"، مطالباً النائب العام الليبي بالتدخّل في القضية، وأن "تشمل التحقيقات الجارية من يقف وراء استئجار هذه الطائرة، ومن هي الشركة المالكة لها".
ورأى الشحومي أن تمديد الوجود التركي في ليبيا "ليس مفاجئاً، ولا يمكن أن نلوم أنقرة عليه، لأن الدول تتخذ قراراتها وفق مصالحها... بل نلوم الحكومات المتعاقبة التي شرعنت الوجود الأجنبي مقابل البقاء في السلطة، كما أن بذلك القرار أثبتت أنقرة أنها جزء من المشكلة الليبية وليست طرفاً في الحل". ويشير إلى أن عدم اعتراض معسكر شرقي ليبيا على القرار التركي هذه المرة يأتي "ضمن سياسة تصفير المشكلات، واتّباع نهج براغماتي في التعامل مع أنقرة وإدارة واقعية للتوازنات، فالرفض المعلن سابقاً لم يحقق آي نتائج، في حين هناك تقارب واضح مع تركيا خلال الشهور الأخيرة ومحادثات بشأن اتفاق ترسيم الحدود البحرية".
نبض