أوجلان ودميرتاش: رمزان في قلب التوازن الداخلي التركي

تركيا 07-11-2025 | 06:36

أوجلان ودميرتاش: رمزان في قلب التوازن الداخلي التركي

تزايدت التوقعات بلقاء أوجلان بعد تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان التي أشار فيها إلى أن اللقاء الأخير مع وفد إمرالي (المعني بالوساطة بين أوجلان والسلطة) جرى بشكل "إيجابي".
أوجلان ودميرتاش: رمزان في قلب التوازن الداخلي التركي
لافتة تحمل صورة عبد الله أوجلان خلال تجمّع يطالب بإطلاق سراحه أمام المجلس الأوروبي في ستراسبورغ، شرق فرنسا. (أ ف ب)
Smaller Bigger

مع دخول "عملية الحلّ" أو مسار السلام التركي – الكردي في تركيا عامها الثاني، تسارعت التطورات السياسية في الأيام الأخيرة بعد الانتقادات التي طالت المسار من ناحية البطء والتصريحات المتعارضة بين الأطراف المنخرطة فيه.
وتُهيمن على الأجندة السياسية للمسار اليوم مسألتان أساسيتان: زيارة اللجنة البرلمانية زعيم "حزب العمال الكردستاني" عبد الله أوجلان في سجنه بجزيرة إمرالي، والإفراج عن الرئيس المشترك السابق لـ"حزب الشعوب الديموقراطي" الموالي للأكراد صلاح الدين دميرتاش.
وتعقد لجنة التضامن الوطني والأخوّة والديموقراطية (اللجنة البرلمانية المعنية بالمسار) اجتماعاً برئاسة رئيس البرلمان نعمان كورتولموش الأسبوع المقبل، لمناقشة جدول الأعمال الذي يُتوقّع أن يتضمّن التصويت على زيارة إمرالي للاستماع إلى أوجلان.

اللجنة البرلمانية والاستماع إلى أوجلان
بدأت اللجنة جلساتها في 5 آب/ أغسطس 2025، وأنهت معظم جلسات الاستماع المقرّرة. وفي اجتماعها السادس عشر والأخير في 30 تشرين الأول/ أكتوبر، قدّم كل من وزير الخارجية هاكان فيدان ووزير العدل يلماز تونتش عروضاً منفصلة وأجابا عن أسئلة أعضاء اللجنة.
يتركز اهتمام اللجنة اليوم على نقطتين:
- التقرير الذي سيقدّمه رئيس جهاز الاستخبارات التركية إبراهيم قالن حيال انسحاب مقاتلي "حزب العمال الكردستاني" وتسليم أسلحتهم.
- مسألة الاستماع إلى أوجلان، التي يصرّ عليها حزب "ديم" الموالي للأكراد منذ فترة طويلة.
ورغم تصريحات متفرقة من بعض الأحزاب بشأن اللقاء المحتمل مع أوجلان، لم تُدرج هذه المسألة رسمياً على جدول أعمال اللجنة بعد، ومن المتوقع أن تُطرح بعد مشاورات يجريها رئيس البرلمان مع ممثلي الأحزاب.
يمكن اتخاذ القرار بأغلبية ثلاثة أخماس الأصوات، أي بموافقة 31 عضواً من أصل 51. وتقول مصادر في حزب "ديم" تحدثت إليها "النهار" إن "تقديراتها تشير إلى أن الأغلبية المطلوبة لن تواجه عقبة كبيرة".
وتزايدت التوقعات بلقاء أوجلان بعد تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان التي أشار فيها إلى أن اللقاء الأخير مع وفد إمرالي (المعني بالوساطة بين أوجلان والسلطة) جرى بشكل "إيجابي".
وفي السياق نفسه، قال رئيس حزب الحركة القومية دولت بخجلي، في اجتماع الكتلة البرلمانية لحزبه يوم الثلاثاء، إن أوجلان التزم بالوعود التي قدمها منذ بداية المسار، وأضاف: "ذهاب النواب الذين ستختارهم اللجنة إلى إمرالي للحصول على الرسائل مباشرة ومن المصدر الأول سيقوّي العملية بشكل كبير. حزب الحركة القومية مستعد للمشاركة في مثل هذا الوفد".
في المقابل، يعارض ممثلو أحزاب "الرفاه من جديد"، و"الديموقراطي اليساري"، و"هدى بار" الذهاب إلى إمرالي، بينما لم يُبدِ أعضاء "حزب العدالة والتنمية" حماساً كبيراً، على الرغم من أن بعض المصادر تشير إلى احتمال تحوّل هذا الموقف بعد لقاء أردوغان مع وفد إمرالي من حزب "ديم".
أما "حزب الشعب الجمهوري" فلا يزال موقفه الداخلي غير واضح، إذ تميل غالبية أعضائه شخصياً إلى عدم المشاركة، بينما سيتّخذ القرار النهائي عبر اللجنة المركزية للحزب.
من جهتها، ترى قيادات حزب "ديم" أنه يجب على "حزب الشعب الجمهوري" المشاركة بالضرورة، معتبرة أن عدم المشاركة سيُضعف موقف الحزب لدى الناخبين الأكراد.

 

أنصار حزب الشعوب الديموقراطي يحملون صورة لزعيم الحزب السابق المسجون صلاح الدين دميرتاش. (أ ف ب)
أنصار حزب الشعوب الديموقراطي يحملون صورة لزعيم الحزب السابق المسجون صلاح الدين دميرتاش. (أ ف ب)

 

أوجلان ودميرتاش بين السياسة والأمن
يمثّل أوجلان منذ نهاية السبعينيات النواة الصلبة للحركة الكردية المسلحة، وقد طوّر أثناء سجنه في جزيرة إمرالي ما يُعرف بـ"النظرية الديموقراطية الكونفدرالية"، المستوحاة من أفكار المفكر الأميركي موراي بوكتشين، والتي تدعو إلى إدارة محلية ديموقراطية متعددة الهويات، بعيدة عن الدولة القومية.
سمح هذا التحول الفكري للدولة التركية بالتعامل مع أوجلان كـ"فاعل يمكن احتواؤه"، كما ظهر خلال عملية السلام 2013–2015 عبر قنوات المخابرات التركية، ليتحوّل أوجلان من زعيم مسلح إلى شخصية يمكن الاستماع إليها والمساهمة في توجيه عملية دمج سياسي داخلي.
على الجانب الآخر، قدّم دميرتاش نفسه منذ عام 2014 كرمز سياسي جديد يتجاوز حدود الإثنية الكردية. وفي خطاباته الانتخابية، تحدث عن العدالة الاجتماعية وحرية الإعلام وحقوق المواطنة، معتبراً المسألة الكردية أداة نقد للنظام السياسي التركي بأكمله.
وبينما لا يزال دميرتاش مسجوناً منذ تسع سنوات، إلا أنه يستمر في التأثير من خلال الكتابة والنشر. ووصفه المفكر القومي التركي ممتازر توركُنه بأنه "الرمز الأكثر أهمية في لحظة التحول الديموقراطي التركية"، مشيراً إلى أن المسألة الكردية لم تعد مجرد قضية أمنية، بل اختباراً للضمير الجمهوري التركي.
في الداخل التركي، يظهر التوازن بين أوجلان ودميرتاش على شكل معادلة مزدوجة: أوجلان، العدو القديم الذي بات يُنظر إليه كمرجعية رمزية للتعامل مع الأكراد ضمن حدود النظام. ودميرتاش، السياسي المدني الذي يمثل تهديداً رمزياً للخطاب القومي، لأنه يرمز إلى شرعية ديموقراطية غير قابلة للسيطرة.
هذا التوازن يجعل المسار الكردي قضية داخلية مركّبة، إذ يحاول حزب "الحركة القومية" فك "العقدة الكردية" من خلال احتواء أوجلان ودميرتاش، والاستفادة من رمزية الأول وثقله الخارجي، ورمزية الثاني وتأثيره الداخلي.

دولت بخجلي وخطاب القومية الداخلية
شهد حزب "الحركة القومية" بقيادة بخجلي تحوّلات كبيرة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، إذ انتقل الحزب من قومية صدامية متشددة إلى قومية سلطوية تهدف إلى إدارة التوازن بين الدولة والأمن والهوية، ضمن شراكة استراتيجية مع حزب العدالة والتنمية.
في خطاباته الأخيرة، لم يعد بخجلي يستخدم لغة عدائية صريحة ضد الأكراد، بل يميّز بين "الأكراد الأوفياء للدولة" و"الانفصاليين"، ما يعكس منهج الاحتواء الخطابي الجديد الذي يهدف إلى نقل القضية الكردية من يد المعارضة إلى إدارة الدولة.
هذا النهج الداخلي يعكس قدرة بخجلي على التحوّل من "قائد المعارضة القومية" إلى "حارس النظام"، مع الحفاظ على وجود حزب "الحركة القومية" كلاعب مؤثر داخل التحالف الحاكم.
تواجه تركيا اليوم مرحلة حرجة من التوازن الداخلي، حيث يتقاطع الإسلام السياسي، والقومية الأمنية، والمطالب الديموقراطية للأكراد في مسار مركّب. فالإسلام السياسي، الممثّل بحزب "العدالة والتنمية"، يسعى للحفاظ على السلطة واستقرار الدولة، فيما تحاول القومية الأمنية، الممثلة بحزب "الحركة القومية"، التحكّم في الخطاب القومي وتحويل القضية الكردية إلى أداة ضبط داخلي، ليظل المطلب الديموقراطي الذي تمثّله الحركة الكردية انعكاساً لطموح المواطنة الشاملة وتجاوز الانقسامات الإثنية.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

مجتمع 11/13/2025 4:43:00 PM
أكّد المدير العام للطيران المدني المهندس أمين جابر أنّ التحويل في مسار الرحلات جاء نتيجة الأحوال الجوية القاسية في الشمال.
سياسة 11/14/2025 2:56:00 PM
الجيش الإسرائيلي: الوحدة 121 بحزب الله مسؤولة عن ملف اغتيال سياسي لبناني مسيحي