الطاقة والسلاح: كيف تعيد أنقرة رسم خريطة مصالحها مع أوروبا وروسيا؟

تركيا 05-11-2025 | 06:13

الطاقة والسلاح: كيف تعيد أنقرة رسم خريطة مصالحها مع أوروبا وروسيا؟

فيما تدفع أنقرة باتجاه مسار إعادة بناء الروابط الوثيقة مع الاتحاد الأوروبي عبر منظومات الأمن والدفاع والتكامل الاقتصادي، فإنها تجد نفسها مجبرة على الابتعاد عن موسكو تدريجاً.
الطاقة والسلاح: كيف تعيد أنقرة رسم خريطة مصالحها مع أوروبا وروسيا؟
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. (رويترز)
Smaller Bigger

تشهد السياسة الخارجية التركية مرحلة إعادة تموضع دقيقة، مدفوعة بالتحوّلات البنيوية التي يشهدها الشرق الأوسط، وإعادة هندسة موازين القوة بين الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي.
وفيما تدفع أنقرة باتجاه مسار إعادة بناء الروابط الوثيقة مع الاتحاد الأوروبي عبر منظومات الأمن والدفاع والتكامل الاقتصادي، فإنها تجد نفسها مجبرة على الابتعاد عن موسكو تدريجاً.

دور محوري في الأمن والدفاع
يتقاطع مسار إعادة ترتيب العلاقات التركية - الروسية مع مسار أوسع يتعلّق بمستقبل العلاقات التركية - الأوروبية. فقد دفعت الحرب الروسية - الأوكرانية أوروبا إلى التركيز على تطوير قدراتها الدفاعية الذاتية تحت مظلة "الناتو"، والعمل على بناء نموذج اقتصادي - صناعي قائم على الصناعات الدفاعية.
في هذا السياق، تسعى تركيا إلى دور محوري عبر الانفتاح العسكري على أوروبا، وخصوصاً في مشروع المقاتلة الأوروبية "يوروفايتر".
ويرى الخبير الأمني والعسكري التركي سعاد ديلغين، في حديث مع "النهار"، أن "شراء تركيا لمقاتلات أوروبية يفرض عليها سياسياً تبنّي قواعد اشتباك تتوافق مع الحلفاء الأوروبيين، خصوصاً في ملفات شرق المتوسط وبحر إيجه. بمعنى آخر، صفقات السلاح تكون دائماً مصحوبة بخيارات سياسية".
وتنظر أوروبا إلى تركيا كجسرٍ للطاقة القادمة من بحر قزوين وشرق المتوسط وآسيا الوسطى، ما يجعل خفض التوتر مع دول الاتحاد الأوروبي، وانتهاج سياسات متوافقة معه، وخصوصاً في ما يتعلق بروسيا، شرطاً لتعظيم الدور التركي في المخطط الطاقوي الأوروبي.

خطوات لتأمين صادرات النفط
تصاعد التوتر النووي بين واشنطن وموسكو، وفرض عقوبات أميركية جديدة على قطاع الطاقة الروسي، يعزّزان أهمية تركيا كعمقٍ جيوسياسي في الجناح الجنوبي لـ"الناتو"، ويعيدان تفعيل دورها في معادلة "حاجز روسيا".

وبدأت أكبر مصافي النفط التركية الاستجابة للعقوبات الغربية الأخيرة، التي تهدف إلى الحد من تمويل روسيا للحرب على أوكرانيا، وذلك بتقليل كمّيات استيراد النفط الروسي الخام، إذ تقوم المصافي الكبرى مثل "سوكار تركيا" و"توبراش" بتنويع مصادرها لضمان استمرار صادراتها إلى أوروبا.
ووفقاً لوكالة "رويترز"، بدأت المصافي التركية باتخاذ إجراءات مشابهة لتلك المتبعة في الهند لتقليل المخاطر المرتبطة بالضغوط العقابية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، إذ تُعدّ تركيا ثالث أكبر مشترٍ للطاقة الروسية بعد الصين والهند.
واشترت مصفاة تابعة لشركة "سوكار" الأذرية أخيراً أربع شحنات من النفط الخام من العراق وكازاخستان ودول أخرى غير روسيا، أما مصفاة "توبراش" الكبرى الأخرى، فتزيد مشترياتها من أنواع النفط غير الروسي ذات الجودة المشابهة لخام "أورال" الروسي، مثل النفط العراقي.
وتخطّط تركيا لزيادة وارداتها النفطية من العراق من 99 ألف برميل يومياً في تشرين الأول/ أكتوبر إلى 141 ألف برميل يومياً في تشرين الثاني/ نوفمبر.

 

 

بوتين مصافحاً أردوغان. (أ ف ب)
بوتين مصافحاً أردوغان. (أ ف ب)

 

لقد مثّلت اتفاقية الغاز الطبيعي المسال بين تركيا والولايات المتحدة، الموقّعة خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الولايات المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي، تحوّلاً محورياً في استراتيجية الطاقة التركية.
وبموجب مذكرة التعاون الاستراتيجي للطاقة النووية المدنية لمدة 20 عاماً، ستستورد "بوتاش" ما يصل إلى 70 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال من شركات أميركية حليفة مثل "ميركوريا" و"وودسايد إنيرجي"، ما يعني تغطية أكثر من 50% من الطلب المتوقع على الغاز الطبيعي في تركيا بحلول 2028، ما يقلّل اعتماد أنقرة على روسيا وإيران.
وانخفضت واردات الغاز الروسية إلى تركيا عبر خطَّي أنابيب "تركستريم" و"مافي أكيم" من 60% إلى 37%. وسينتهي عقد استيراد الغاز الإيراني بداية العام المقبل دون وجود مؤشرات على إمكان تجديده، فيما وقّعت أنقرة عقوداً لاستدراج الغاز الأذربيجاني بكمّيات تصل إلى 9.5 مليارات متر مكعب سنوياً.
وتخطّط تركيا لمعالجة الغاز الأميركي لتصديره إلى الأسواق الأوروبية، ما يخلق منافسة مباشرة مع شركة "غازبروم" الروسية، مستفيدةً من موقعها الجغرافي لتتحوّل إلى مركزٍ إقليمي للطاقة من خلال توسيع مرافق تخزين الغاز الطبيعي المسال وإعادة التسييل، ودمج خطوط الأنابيب، وتقديم بدائل بأسعار مستقرة للدول الأوروبية الراغبة في تقليل اعتمادها على الغاز الروسي بعد حرب أوكرانيا.
وتحتاج تركيا إلى 12-15 مليار دولار للاستثمار في محطات الغاز الطبيعي المسال وترقيات الشبكة، وفق منظمة الطاقة والمناخ في البحر المتوسط.

الحرب الاقتصادية الروسية
تبدو العلاقة بين تركيا وروسيا في عام 2025 أكثر هشاشةً من أيّ وقتٍ مضى. تاريخياً، تداخلت مسارات الدولتين بين الحرب والسلام، والتقارب التجاري والتصادم العسكري. لم يثق أيّ طرفٍ بالآخر تماماً، لكنه لم يستطع تجاهله.
تظلّ التجارة بين البلدين كبيرة رغم التوترات، إذ بلغ حجم التبادل التجاري 57 مليار دولار في 2024، مع انخفاض نسبته 20% عن ذروة ما بعد الجائحة. ويشهد قطاع السياحة تراجعاً، إذ انخفض عدد السياح الروس من 5.6 ملايين في 2023 إلى 4.1 ملايين في 2024، وتراجعت تدفّقات رؤوس الأموال الروسية مع غياب الاستثمارات الجديدة تقريباً.
وتستخدم موسكو الاقتصاد كوسيلة ضغطٍ ديبلوماسي، فقد تأجّلت مشاريع صناعية تركية مرات عدة تحت ذرائع متعدّدة، وتُحتجز صادرات الخضار والفواكه في الموانئ تحت ذرائع "مراقبة الجودة" عند أي تقارب تركي مع الغرب أو "الناتو"، في "حربٍ اقتصادية حديثة" تشنّها موسكو عبر البيروقراطية بدلاً من السلاح.
شهد عام 2025 أربعة أحداث بارزة عمّقت البرودة في العلاقات الثنائية: توقيع اتفاقية السلام بين أذربيجان وأرمينيا في البيت الأبيض، ما أضعف النفوذ الروسي في القوقاز؛ وتسليم إدارة ممر زنغيزور لشركة أميركية، وهو ما اعتبره الكرملين انتهاكاً للخطوط الحمراء الجيوسياسية؛ وثالثاً، زيادة تركيا من واردات الغاز الطبيعي المسال؛ ورابعاً، استمرار أنقرة في تخزين صواريخ "إس-400" الروسية للدفاع الجوي في المستودعات دون تنصيبها.
يقول ديلغين، ضابط الارتباط السابق بين الجيش التركي و"الناتو"، إنه "مع إضافة الصراعات بالوكالة في سوريا، والمواقف المتعارضة في ليبيا وبعض الدول الأفريقية، والتوترات في البحر الأسود، يتضح أن العلاقة بين موسكو وأنقرة تتراجع في عدة مفاصل، مع تعقيدٍ واضح في التنسيق الاستراتيجي بين البلدين".
لكن الاقتصادين يستمران في الارتباط الوثيق، وفيما تستخدم روسيا الموانئ والبنوك والمجال الجوّي التركي كبوابةٍ للالتفاف على العقوبات، تعتمد تركيا على الطاقة الروسية والحبوب وتدفّق السياح للحفاظ على توازن العملة الصعبة.
وبينما تميل أنقرة نحو خطٍّ غربي براغماتي، تنغلق موسكو على نفسها. وتبقى العلاقة بين البلدين شراكةً اضطرارية تتلطّف بالتجارة وتتصلّب بالمنافسة كما كانت في الماضي. فتركيا لا تستطيع مواجهة روسيا، وروسيا لا تستطيع التخلّي عن تركيا.

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/4/2025 6:56:00 PM
شقيق الضحية: "كان زوجها يمسك دبوسا ويغزها في فمها ولسانها كي لا تتمكن من تناول الطعام".
ثقافة 11/2/2025 10:46:00 AM
"والدي هو السبب في اكتشاف المقبرة، وكان عمره وقتها 12 عاماً فقط سنة 1922."
لبنان 11/3/2025 11:23:00 PM
الفيديو أثار ضجة وغضباً بين الناشطين، حيث اعتبر كثيرون أن استخدام الهواتف والإضاءة الساطعة داخل هذا المعلم السياحي يؤثر على السياح هناك.
لبنان 11/4/2025 8:47:00 AM
دعت هيئة قضاء جبيل القوى الأمنية المختصة إلى التحرّك الفوري واتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة الفاعلين